بقلم نسمة عبد البر.
الصدفة في الفلسفة تعني ما هو متميز. أو الحدث الذي يحدث بدون سبب محدد ومعروف، وبالتالي يتناقض مع كل نظرية حتمية التي تسند لكل حدث سبب محدد؛ الصدفة.هي الحدث الذي يقع بشكل مفاجئ.مثل: الالتقاء بصديقي أو قريب في مكان لم يعلم أي منكما بتواجد الآخر به. ويكون غير متوقع. • وهناك .من يخلط بين الصدفة والقدر.
فلا تخلو حياة أي إنسان من الصدفة، والتي تنتج عن أمور غير متوقعة، وتأتي دون ترتيب، ولا موعد، ولكن عند تحليل الحدث بدقة،.قد يتساءل البعض، هل هي صدفة بالفعل؟ أم أنها أمر مرتب، ومنظم بقوانين وقواعد، لم يتم إدراكها بشكل صحيح، هي تلك الصدفة التي غيرت مجرى التاريخ والأحداث في كثير من الأحيان.
قيل في بعض تعريفات الصدفة، بأنها الأثر الذي يحدث عندما يتعثر شخص ما، وينتج عن هذا التعثر شيء من حسن الحظ، خاصة إن كان يبحث عن شيء لا علاقة له على الإطلاق بأصل الموضوع، وغالبا ما يهمل جانبا ما من تعريف الصدفة، خاصة في المناقشات العصرية، لعدم القدرة على الربط بين الحقائق البريئة في ظاهرها للتوصل إلى نتيجة ذات قيمة.
وربما لهذه الأسباب وغيرها، تم التصويت على هذه الكلمة، باعتبارها واحدة من أصعب عشر كلمات باللغة الانجليزية، حيث ذهبوا في تعريفها للقول إنها أمر عشوائي يحدث دون قاعدة، أو خروجا عن قاعدة معروفة، بحيث لا يمكن التنبؤ به قبل حدوثه، ولا يمكن حدوثه إلا نادرا، ولكن هذا الحدوث النادر قد يغير مجرى التاريخ، أو العلم، أو الجغرافيا.
واستخدمت الصدفة كوسيلة من الوسائل في نظرية السيسيولوجي لانسليم شتراوس، وبارني جلاسر المبررة، والمبنية على أفكار من قبل عالم الاجتماع روبرت كاي ميرتون، الذي أشار في النظرية الاجتماعية، والبنية الاجتماعية في العام 1949 إلى نمط الصدفة كتجربة شائعة إلى حد كبير، لمراقبة شيء غير متوقع، أو شاذ، والاستراتيجية التي تتطور لتصبح مناسبة لوضع نظرية جديدة، أو لتوسيع نظرية قائمة.
دلالات وتفسير:
لكل معنى من معاني الصدفة، حكم خاص به، مثل الصدفة بمعنى وجود الشيء، من دون علة، والأشمل هي العلة الطبيعية، وغير الطبيعية، وهذا المعنى مرفوض من قبل المفكرين، والعلماء، باستثناء الفيلسوف الإنجليزي هيوم، وذلك من منطلق أن الطريق الوحيد لإثبات العلوم هو الحس والتجربة فقط.
وبما أن هذا القانون خارج عن مجالي الحس والتجربة، لا يمكن إثباته من خلالهما، لذلك أنكر هيوم هذا القانون، وإذ ما وجد من يطلق على بعض التحولات الطبيعية، أو التاريخية تفسير الصدفة فهو لا يرمي إلى أن هذه التحولات قد حدثت من دون «علة».
أما التعريف الثاني للصدفة، والتي يطلق عليها «الاتفاق» بمعنى صدور النظم والسنن، عن سلسلة من العلل، غير المدركة ومن دون أية محاسبات عقلية، بحسب تفسير العالم، على أنه وليد سلسلة من العلل المادية الفاقدة للشعور والإدراك، فإن الصدفة بهذا المعنى قبلها وتبناها المفكرون الماديون، بل دافعوا عنها، ولكن رفضه غيرهم بشدة، وقالوا: هل يمكن لهذا العالم الواسع، المبني على نظام من الذرة إلى المجرة، أن يكون وليد الصدفة والمادة الصماء.
أما الصدفة الثالثة، والتي تأتي بمعنى حدوث الظواهر الكونية، أو التاريخية، كنتيجة لعدة عوامل، إلا أن هذا العامل لا يخضع لقانون، أو ضابطة كلية، ولا يمكن اعتبار ظهور تلك الحوادث، قانونا عاما، وقاعدة ثابتة.
إن الصدفة بهذا المعنى من المصطلحات الرائجة، على ألسنة الناس، فمثلاً قد يقول أحدهم: صادفت في إحدى أسفاري صديقا، بعد سنين طويلة من الفراق، أو حفرت بئرا، فوجدت ذهبا، لكن من المسلم به، ان ظهور وحدوث تلك الوقائع، لا يخضع لضابط، فليس كل من سيسافر سيلتقي بالتأكيد بصديق افتقده، أو من يحفر بئرا سيجد ذهبا، بل هناك علل وشروط معينة، أدت إلى أن يعثر في هذه البئر على الذهب، بل هناك أسباب خاصة، اقتضت هذه النتيجة، ولكن ذلك لا يشكل قانونا عاما، وبحسب التعبير الفلسفي «إن هذه الظاهرة ليست ملازمة لنوع العلة».
القراءة التاريخية للصدفة
وبالنسبة لتفسير الحوادث التاريخية من خلال الصدفة، فهو يتماشى مع التفسير الثالث للصدفة، إذ يذكر المؤرخون أن سبب اشتعال الحرب العالمية الأولى، جاء إثر اغتيال ولي عهد النمسا، مما أدى لاشتعال فتيل الحرب في أوروبا كلها، لتمتد إلى العالم بأسره، مما يعني أن حدثا صغيرا، قد تسبب بوقوع فاجعة عظيمة في العالم.
ولكن قتل الأمير النمساوي لا يمكن اعتباره قانونا كليا، وفي سياق الصدفة التاريخية فسرت الكثير من الوقائع والحوادث ومصير الأمم السالفة، التي يمكن تفسيرها على أساس الصدفة بالمعنى الثالث أيضا، وفي هذا المجال الكثير من القصص، مثل حصار عماد الدولة الديلمي، لمدينتي أصفهان وفارس وإخراج الخليفة والوالي، ولكن واجهته مشكلة، وكادت تخلق له أزمة حقيقية وهي نفاد الخزينة التي أعدها، مما قد يضطرهم للاعتداء.
ونهب أموال الناس ويؤدي بالتالي لمواجهة غير محسوبة، وهو يفكر رفع برأسه إلى سقف الدار، وإذا بأفعى تخرج رأسها، من فجوة، وثم تختفي فأمر عماد الدولة بإزالة السقف ومتابعة الأفعى، وعندما تبعوها عثروا على خزين من العملة الذهبية «القاجارية».
والتي كان يطلق عليها «أشرفي». وكان حاكم الولاية السابق قد أعدها ليوم بؤسه، فكانت من نصيب عماد الدولة وجيشه. ومثل هذه القصص، تعد من الحوادث الاستثنائية التي لا يمكن اعتبارها أساسا كليا للحركة والعمل، ولا يمكن بناء الدولة، والحياة والتحرك السياسي، أو العسكري، أو غير ذلك اعتمادا على هذا النوع من الصدف، أو التأمل بحدوث معجزة ما تقلب موازين الأمور.