.كتبت : زينب اكنيز
في ظل التغيّرات والتحدّيات التي يواجهها المراهقون ، تظهر تساؤلات عديدة عما يحدث لهم من تحوّلات جسدية ، وأخرى في مشاعرهم ، وغيرها في مواقفهم الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية أو الدينية، فيجد المراهق نفسه في حيرة من أمره:
كيف أتعامل مع نفسي ومع من حولي؟
هل ما أفعله صحيح أم خطأ؟ مقبول أم مرفوض؟
ماذا يخبّئ لي المستقبل؟ الخ.
ويرافق هذه التساؤلات شعور طبيعي بالقلق يختلف بأشكاله وحدّته بين مراهق ومراهق .
إن الحاجة إلى الأمان والاستقرار حاجة مهمة للإنسان عمومًا ، و الشعور بال”أمن” النفسي في مرحلة المراهقة يبثّ الاستقرار والطمأنية ويسمح للمراهق أن يفهم نفسه ويتعامل معها بطريقة ايجابية ، إضافة إلى التكيّف والتفاعل مع بيئته بشكل سليم ، فالأمن النفسي ، شأنه شأن الأمن الغذائي والاقتصادي والصحي والسياسي.
المخاوف الأساسية خلال المراهقة.
1التخوف من التغيّرات الجسدية والفسيولوجية:
من الطبيعي جدا˝أن تتمحور معظم أفكار المراهق ، بخاصة في المرحلة الأولى للمراهقة ، على صورته الجسدية وكيفية التكيّف مع كل التغيّرات الجسدية التي يمر بها ، وتتميّز هذه المرحلة بحدّة التقييم الذاتي، ما يثير أحاسيسه وتساؤلاته ومخاوفه .
أمّا أبرز المخاوف فهي :
أولا˝: الخوف من عدم تقبّل الآخرين لمظهره الخارجي وعدم الجاذبية ، عند الفتيان كما عند الفتيات، حيث تكتسب المعايير الشكلية الظاهرة (مثل مشاكل البشرة الدهنية أو ظهور البثور والنمش أو تركيب جسور الأسنان المعدنية) أهمية كبرى في عملية التقييم الذاتي وتقييم الآخرين.
ثانيا˝: الخوف من أنه “غير طبيعي” مقارنة˝ بالآخرين ، أي الأتراب. إن هذه المقارنة تتمحور ، في معظم الأحيان، على ظهور أو التأخّر في ظهور معالم البلوغ الجنسي عند الفرد.
تساهم الأسرة كثيرا في تخفيف وطأة هذه المخاوف على المراهق من خلال :
مراعاة مشاعر ابنهم/ابنتهم المرهفة
تجنب السخرية ، والاستغراب
عدم استهجان حاله/حالها ، وما آلت إليه هيئته/هيئتها، وحجمه/حجمها وشكله/شكلها
عدم وصفه/وصفها بالصغر والطفولة والقصور.
من المهم أن يشعر المراهق أن ما يحدث له من تغير ، إنما هو أمر عادي ، متوقع ومقبول ، وأن هذه التغيرات تحدث لكل الناس دون استثناء.
2 التخوّف من تحمل المسؤولية، وعدم النجاح فيها:
خلال مرحلة المراهقة ، يبدأ الاستعداد النفسي لتحمّل المسؤوليات بالظهور : فالمراهق يعي تماما˝ أنه في صدد مغادرة الطفولة والدخول الى عالم الشباب.. ومع أنه لا يزال قريبًا من والديه ويحظى بعنايتهما ، لكنَّه في الوقت نفسه يشعر بأن الأمور باتت مختلفة الآن : فكما أن جسده وتفكيره ومشاعره في تطوّر مستمر، كذلك فان البيئة التي يعيش فيها أصبحت تفرض عليه متطلّبات جديدة تتناسب مع هذا التطوّر.
إن تحمّل المسؤوليات يحمل الكثير من الايجابيات للمراهق، فالمسؤولية معرفة ، وإثراء لأبعاد الشخصية ، وتجربة غنيّة يحتاج إليها كل مراهق في مشروعه الحياتي الشخصي لكي ينضج ويطوّر قدراته العقلية ويكتسب القدرة على التحمّل والتدرّج نحو التحقيق الذاتي.
دور الأسرة والمدرسة في مساعدة المراهق على تحمل المسئولية.
دور الأسرة :
تلعب الأسرة دورا مهما في مساعدة المراهق على تحمّل المسؤوليات وذلك من خلال :
1 تأمين بيئة سليمة للنمو تحافظ وتحترم حقوقه الأساسية في العيش الآمن و اللائق (تعليم ، طبابة ، ترفيه).
2 توفير الظروف الملائمة للانجاز وتحقيق الذات.
إن الأسرة التي تحيط الطفل الصغير بالحماية المفرطة تساهم في حرمانه من اكتساب الثقة بالنفس والاعتماد على الذات والاستقلالية الفكرية والعاطفية ، ما يؤدّي في المراهقة ، الى الخوف من تولّي زمام الأمور والتردّد وحتى الهروب أمام تحمّل المسؤوليات.
لهؤلاء نقول أنهم لا يستطيعون الهروب إلى الأبد ، وإن الفشل مرّة أو مرّتين أو ثلاثة أفضل من الهروب والخوف من التقدّم ، خطوة خطوة ، نحو تحمّل المسؤولية ، فليس هناك نجاحا˝ من دون فشل.
إن تخلّي المراهق عن مسؤولية قراراته وتصرّفاته للآخرين والاعتماد الدائم عليهم، سوف يفقده حريته الشخصية تمامًا.
من ناحية أخرى ، مع تزايد نسبة الطلاق بين الأسر في كل أرجاء العالم ، وتزايد نسبة انفصال الأب عن الأسرة بداعي السفر للعمل في الخارج ، وقد أصبح هذا الوضع شائعا˝ في مجتمعات البلدان النامية ، نلاحظ أن مثل هذه الأوضاع الأسرية الاستثنائية فرضت على بعض المراهقين مسؤوليات جديدة ومختلفة عن السابق، مسؤوليات تتطلّب تواجدا˝ أكثر داخل البيت ونضوجا˝ أكبر في العلاقة مع الوالدين ووقتا˝ أقلّ خارج البيت مع الأصدقاء.
أمّا بالنسبة لهؤلاء المراهقين الذين يعيشون في مناطق معرّضة للحروب والنزاعات المسلّحة أو للكوارث الطبيعية ، تقع على عاتقهم مسؤوليات تفوق أحيانا مستوى نضوجهم الفكري والعاطفي والاجتماعي ، ويفرض عليهم لعب أدوار لا تتلائم مع قدراتهم وطاقاتهم (رعاية وتربية الاخوة الصغار أو العمل المأجور).
هذا وإن التحوّلات والتقلّبات الاقتصادية التي يشهدها العالم اليوم لها وقع كبير على نمط العيش العائلي الحديث عموما حيث أن معظم أمور الحياة اليومية أصبحت تتمحور على القضايا المالية وكيفية اقتناء المال ، فنلاحظ أن عددا˝كبيرا˝ من الأهل باتوا يشجّعون أولادهم على التوظّف أو اكتساب مهنة في أعمار مبكرة .
بالرغم من أن بعض الدراسات أشارت إلى التأثير السلبي لتحمّل المراهقين مسؤوليات تفوق مستوى نضجهم على نمو شخصيّتهم ، إلاّ أن بعض الخبراء يرى في ذلك عامل إيجابي يحفّز نمو الاستقلالية العاطفية عند المراهق2.
دور المدرسة :
تفرض المدرسة على المراهق متطلّبات جديدة ومتزايدة لتحضيره للأدوار والمسؤوليات الراشدة التي تنتظره.
فالمناهج في المرحلة المتوسّطة والثانوية من التعليم تشمل مفاهيم مجرّدة ومواد أكاديمية معقّدة ومتطوّرة، وتعتمد في معظم الأحيان على طرق تعليم ضاغطة كالتلقين والحفظ والتعليم بلغة أجنبية بدون إتقانها…ما يفسّر النسب العالية في التسرب المدرسي في هذه المرحلة. نعم ، إن المدرسة تطلب الكثير من مراهقينها، فلا عجب إذا خاف البعض وفضّل الهروب!
على المدرسة أن تلعب دور المساند للمراهقين ، لا أن تكون مصدر ضغط عليهم، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو التالي : هل المدرسة فقط موقع للتعلّم الأكاديمي ، أم هي موقع للتعلّم كيف نتعلّم ، و كيف نعمل ، وكيف نعيش مع الآخر؟
فالمدرسة هي المكان الذي نأمل أن ينجز المراهق فيه المهام التالية :
1 تعلّم قيمة العمل مع الآخرين من أجل هدف مشترك.
2 تعلّم القيادة دون الاستبداد.
3 اكتساب الهوية الجنسية الاجتماعية الملائمة.
4 استثمار جسده بطرق فعّالة لبناء علاقة سليمة ومرضية مع صورته الذاتية.
5 الاهتمام بحماية جسده وصحته وبتطوير قدراته الجسدية والاستمتاع بها.
6 إنجاز الاستقلالية العاطفية اللازمة عن الراشدين.
7 بناء الجهوزية للاكتفاء المادي الذاتي لكي يتمكّن من اقتناء مهنة لائقة في المستقبل تمكّنه من العيش الكريم دون الاستعانة بالآخرين.
8 التفكير بمجال مهني للمستقبل لكي يكرّس قدراته وطاقته لاكتساب المهارات اللازمة المتلائمة مع مهنة من اختياره.
9 تطوير القدرات الذهنية والمفاهيم الضرورية للمواطنية والمشاركة الفعالة في المجتمع .
10 تطوير سلوك اجتماعي ايجابي ومسؤول للتكيّف والتعامل مع تحدّيات ومتطلبات الحياة العصرية.
11- بناء الصلابة الداخلية اللازمة للتكيّف مع الأوضاع الصعبة (بخاصة لهؤلاء المراهقين الذين يعيشون في ظروف الحرب والنزاعات أو الكوارث الطبيعية أو الفقر والحرمان الاجتماعي).
12- اكتساب المهارات الحياتية اللازمة من ثقافة عامة وتعاطف اجتماعي التي تساعده على تطوير علاقته مع نفسه ومع الآخرين.