بقلم/محمودنورالدين
سنة 1963م اكتشف “عبد المنعم مدبولي” ممثلة جديدة اسمها “شويكار إبراهيم طوب صقال”، وقرر إنها تلعب دور البطولة في مسرحيته الجديدة “السكرتير الفني”، بدل “برلنتي عبد الحميد”، وفجأة لظروف سفر اعتذر الأستاذ “السيد بدير” بطل المسرحية، احتار “مدبولي” وما لقاش غير صديق عمره “فؤاد المهندس” عشان يقوم بالبطولة..
“فؤاد” شاف الممثلة دي ما تنفعش في الكوميديا، لكن الأستاذ “فطين عبد الوهاب” قاله دي هتبقى اكتشاف، ودا اللي حصل، ولعبت الصدفة دورها في بداية العلاقة بين الأستاذ وتلميذته، ونجحت المسرحية وقلبت الدنيا، وكانت الخطوة الأولى في علاقة جمعت الاتنين لحوالي 17 سنة، واتعلق “فؤاد ب”شويكار” واتملك الحب من قلوبهم، ولكن الأستاذ كان راجل شيك وتقيل..
سنة كاملة ما بيظهروش غير مع بعض في أي مكان، كل الوسط كان بيقول فيه حاجة مابينهم ، واتكرر التعاون في مسرحية “أنا وهو وهي”، سنة 1964م، فطلب “فؤاد المهندس” الزواج منها على خشبة المسرح أثناء العرض، لما قالها: “تتجوزيني يابسكوتة”، فأجابت: “أخيرا قلتها”، وضجت الصالة فرح بتصقف وتصفر، وبقى فيه مشروع عروسين مرتقبين..
الجميل ان العروسين ماعملوش تجهيزات لحفلة الفرح، ولكن الصدفة لعبت دورها في حياتهم تاني، وبرضه عن طريق التمثيل، لأنهم قاموا سوا -في نفس سنة 64- ببطولة فيلم “هارب من الزواج”، وفي أثناء تصوير المشهد الأخير جت الفكرة لفؤاد المهندس وحطها موضع التنفيذ، ﻷنهم في المشهد مثلوا عريس وعروسة يوم فرحهم، فاستغل المشهد وأخدها بلبس التصوير وراح علي المأذون، وتحول التمثيل لواقع، وتوجت قصة حبهم بالزواج.. وكان معاهم المخرج “حسن الصيفي” والفنانة “زهرة العلا”.. ودخل العصفورين للعش الهادي..
7 سنين من الاستقرار الفني والعاطفي، وكانوا أشهر وأجمل دويتو فني في تاريخ السينما والمسرح، ظاهرة فنية عجيبة، كيمياء مدهشة، ولحد النهارده مفيش حد بيذكر “فؤاد المهندس” إلا ومعاه “شويكار”، والعكس صحيح، تحسهم مخلوقين لبعض وماينفعوش لغيرهم، تفاهم من النظرات واللفتات، حالة من الاتفاق والتوافق الروحي،المادة الخام للسعادة عاشوها سوا، وكانت كلمة السر بينهم هي الحب..
لكن، دايما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وفي سنة 1971م قدموا فيلم “عريس بنت الوزير”، شارك في بطولة الفيلم ممثل مغمور اسمه “محمد خيري”، لكن كعادة الوسط الفني كترت الشائعات واللغط حوالين “شويكار”، أصلهم مش هيسيبوا حد في حاله، لازم الأقلام المشبوهة تكون في حاله برضو! وكأن الناس بتستكر على الناجح نجاحه أو على السعيد سعادته!
فنسجت خيوط وألفت سيناريوهات الله أعلم بيها، وفي صحفي في مجلة الشبكة اللبنانية ما ذكرش اسمه كتب تقرير طويل عن علاقة بتربط “شويكار” ب”محمد خيري”! واستغل سمعة الأخير من علاقاته النسائية الكتيرة، وبعد 5 شهور من التأليف والتأويل والكلام اللي يسمم البدن، فاض الكيل بالأستاذ، وكانوا سهرانين في كازينو وحضر “محمد خيري”، وحصل شد وجذب بينه وبين الأستاذ “فؤاد”، وأصواتهم عليت، ولأول مرة يتنرفز عمو “فؤاد” ويشتم ويتدخل الأمن للفصل بينهم..
رجع الزوجين لبيتهم وهما مضغوطين بما فيه الكفاية، ما تفهمش كل واحد فيهم حمل التاني غلط، شبت أول وآخر خناقة بينهم، وكانت “شويكار” بتفتح إزازة كوكاكولا عشان تشربها، و”فؤاد” لسة متعصب وبيزعق لها، فهي طوحت الإزازة من إديها من زهقها راحت خابطة راسه واتعور، باتت ليلتها عند صديقتها الفنانة “سهير البابلي”، واستغل الصحفي المجهول إياه كل الأحداث دي عشان يعكر الصفو بين الزوجين، ويأكد بيها حدوتته المبهوتة، وتم تشويه صورتهم مع سبق الإصرار والترصد، واستلمتهم الصحافة جلد وتجسس ومراقبة وكل واحد يزود حتة من عنده، وحاجة آخر مرار..
“فؤاد المهندس” استحمل كل ده، وحاول يتعايش مع الأمر ولكنه فشل غصب عنه، خصوصا وإنه كان بيغير على “شويكار” بشكل عنيف جدا، بيغير من الهوا لو فات بين خصلات شعرها، وبقى كل كلمة بتنكتب بتتغمس من دمه وأعصابه، وبكدا فيه حاجة بينهم انكسرت وعلى وشك الانهيار وغير قابلة للتصليح، وقرار الانفصال بينهم بقى قاب قوسين أو أدنى، ولأنهم مصنوعين من الفن السابع، وكانت الصدف التمثيلية هي المتحكم في مصايرهم سوا، لقاء، حب، زواج، مشاكل، فكان لازم الطلاق يحصل برضو بمصادفة فنية..
وأخدوا القرار بالفعل بكل هدوء، واتفهم الطرفين الأسباب اللي دفعتهم للقرار الصعب دا، والصدفة الفنية المرة دي كانت أثناء تصويرهم لأحداث فيلم “فيفا ظلاتا” سنة 1976م، وقتها قضوا ليلة في الصحرا وبشجاعة فاتحها “فؤاد” في الموضوع، لكنه ما قدرش يقولها هاطلقك، فهي اللي حافظاه قالتهاله: “فؤاد انت عايز تطلقني؟!”، ما ردش بس هي فهمت، وبدأت العلاقة بينهم تبعد بالتدريج في محاولة عشان يرجعوا أغراب تاني.. ما الشيء اللي بينتهي ببطء ما بيرجعش زي ما كان، ما بيرجعش أبدا..
وبعد 4 سنين كمان أخدوا القرار الصعب، وفي الختام كانت الصدفة الفنية الجديدة، بعد ما شاركته بصوتها في مسرحية “سك على بناتك”، سنة 1980م، كات شغفته حبا واللي بيحب ما بينساش، وهو كان قراره حفاظا على الحب دا، لأن الغيرة المبالغ فيها بتشقق جدران البيوت وبتطرد الونس، وبتدفن الحب مهما كان تحت أكوام من التراب، مخلفات نفسية من عدم الثقة والشك والاستجواب والتفتيش الذاتي، فكان لابد من وضع الحد، والطلاق حفاظا على الود المتبادل والمشاعر الثرية..
“محمد فؤاد المهندس”، كان سايق العربية بيوصل والده للبيت بعد عرض مسرحية “سك على بناتك”، وسأله عن سبب انفصالهم فقاله: “عشان بحبها يا ابني! والقرار دا أفضل لها ولي”، فلسفة عميقة أوي أوي، ما يتفهمهاش إلا أولوا الألباب، انفصلا في هدوء وبدون مشكلات، و”محمد” وصف علاقة الطليقين وقال:
– “ظلت علاقتهما قوية بعد الطلاق، وقويت الصداقة بينهما، فكانت تطبخ له الأكل الذي يحبه وترسله إليه، كما أنه كلما احتاج شيئا اتصل بها، فكانت ترد دائما: (عينيا يا فؤاد)” ♡..
والتلميذة عاشت حياتها شايلة حب الأستاذ جواها، تقدير، ثقة، احترام، كل حاجة حلوة، ومفيش دليل على كدا إلا انهيارها وبكاءها يوم وفاته، وتعلقها بنعشه وهو رايح لمرقده الأخير، كأن روحها مربوطة بروحه، وانقطعت منها واندفنت معاه تحت التراب، على أمل لقاء عند ربنا بدون تدخل من البشر، وبدون ما حد يحشر نفسه في حالهم، بدون أي دسائس صحفية تنغص القلب..
والنهارده رحلت “شويكار” يمكن تكون دي فرصة اللقاء الأبدي، لحقته في المشوار اللي سبقها ليه، يمكن المولى له تقدير لا يخطر على بال بشر، ماتت البسكوتة، وانتهت الحكاية، والستارة انسدلت ونزلت كلمة النهاية، ومش باقي غير صقفة الجمهور.. واحنا الجمهور يا جماعة..
فسلاما على من أسعدونا
ربنا يرحم “فؤاد المهندس” و”شويكار” ويغفر لهم ♡