الاستاذة الدكتورة/ مفيدة ابراهيم عميدة كلية الدراسات الاسلامية والعربية بالازهرالشريف
بمناسبة شهررمضان المعظم الصيام عبادة عظيمة جليلة (1)
أن كل العبادات التي شرعها الله تعالى لخلقه لها غايات عظمى تنعكس على سلوكهم في تعاملهم مع خالقهم ومع الخلق، فالله تعالى حدد المقصد الأساس والغاية العظمى من الصوم، فقال: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”البقرة -183، فلم يفرض الله علينا الصيام للمشقة، ولا لأجل أن نمتنع عن الطعام والشراب فقط، وإنما أراد الله أن يهذبنا بالصيام، وليكون سبيلا لتقويم السلوك والأخلاق.
الصيام عبادة عظيمة جليلة يظهر فيها الإخلاص، جعل الله أجره عليه ، فكيف يكون هذا الأجر؟ جاء في الحديث القدسي يقول الله عز وجل: (كل عمل أبن آدم له إلا الصيام لي وأنا أجزي به) ؛ وجعله النبي سبباً في تكفير الذنوب والخطايا فقال: (فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفّرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) رواه الترمذي
رَمَضَانُ هو الشَّهْرُ الذي خَصَّهُ اللهُ بِنُزُولِ القُرْآنِ فيه؛ بَل كَمَا ثَبَتَ عن النبيِّ–صلى الله عليه وآله وسلم-: فَإِنَّ التَّوْرَاةَ والإنجيلَ والزَّبُورُ وكذلك القرآنُ المَجِيدُ؛ كلُّهَا نَزَلَت في شَهْرِ رَمَضَان، فهذا الشهرُ خَصَّهُ اللهُ ربُّ العالمين بنزولِ الوحي المَعْصُومِ فيه؛ هدايةً للناسِ، وفُرْقَانًا بَيْنَ الحقِّ والباطلِ، ونِبْرَاسًا يُنِيرُ دَيَاجِيرَ ظُلْمَةِ المَرْءِ في سَعيِهِ في هذه الحياةِ بِكُلِّ ما فيها من الآلامِ والأحزانِ، وبكُلِّ ما فيها من الهمومِ والغمومِ والأنكادِ، وبكلِّ ما فيها من المخاطرِ والمكائدِ , مكائدِ النَّفْسِ والشيطانِ .فهذا الشهرُ خَصَّهُ اللهُ ربُّ العالمين بخصائصَ باهرة، وأنزلَ فيه الآياتِ المُبهرة، وجعلَ اللهُ ربُّ العالمين فيه رُكنًا من أركانِ دينِ الإسلامِ العظيم، وهو الصيام، كما في حديثِ ابن عمر –رضي اللهُ عنهماعن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ).
وفي رمضانَ بَعَثَ اللهُ ربُّ العالمين نبيَّهُ الخاتمَ مُحمدًا –صلى الله عليه وآله وسلم- برسالةِ الإسلامِ العظيمِ إلى الناسِ كافة، وهو خاتَمُ النبيين والمُرسلين –صلى الله عليه وسلم-.
و مع ما فيه من الصلاةِ بالقيام ، ومِن تلاوةِ القرآنِ والذِّكْرِ والجُودِ والعطاءِ والبِرِّ،وكل الخِصال إذا ما فُعِلَت إيمانًا واحتسابًا؛ يكونُ الشهرُ مُكَفِّرًا لِمَا بينه وبينَ الشهرِ الذي بعدهُ، كما قال الرسولُ : (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ). عن مسلمٍ .
إنَّ العبدَ الصالحَ يستقبلُهُ ويدومُ على ذلك، يستقبلُهُ بالتوبةِ النَّصوحِ ويدومُ عليها، وبعزيمةٍ صادقةٍ .على أنْ يغتنمَهُ،وألَّا يُضيِّعَ منه شيئًا،وعلى الإنسانِ أنْ يجتهدَ في شَغْلِ الأوقاتِ بالأعمالِ الصالحات؛ لأنه لا يدري أَيَدُورُ العامُ دَورتَهُ حتى يكونَ من أهلِ الصيامِ مِن قَابِلٍ، أم يكونُ مُغيَّبًا تحت التراب؟ ولذا على المرءِ السعيُ، والأحذ بالأسبابِ، راجيًا من الله القَبول. أ . د / مفيدة إبراهيم علي – عميد كلية الدراسات الاسلامية والعربية