الأسرة في الإسلام
كتبت فوزية محمد عبدالرحمن
لم يعدْ خافيًا على أحدٍ مدى ما تُعانيه المجتمعاتُ الإسلاميَّة في الوقت الراهن مِن إشكاليات اجتماعيَّة خطيرة، جَعَلَتْها في حَرَجٍ أمام الحضارة الغربية، التي حقَّقَتْ تقدُّمًا علميًّا واقتصاديًّا كبيرًا، في حين كانتْ – وما زالت – تعاني هذه الحضارة مِن خلل اجتماعي يتوقع الجميع – ومن بينهم غربيون – أنه سيكون سببًا مباشرًا ورئيسًا لانهيارها.
غير أن ثمة فارقًا في الأسباب وراء ما يَحْدُث في الغرب، وما يحدث في مجتمعاتنا الإسلامية، يَتَمَثَّل في أنَّ هذا الحادث في الغرب يعود إلى خَلَل في المنظومة القيميَّة ذاتها؛ أي: إن ذلك نتيجة طبيعية ومنطقية لما يراه الغرب ويعتقده، بل ويمارسه ويشرعه، أما في مجتمعاتنا الإسلامية، فإنَّ ما يحدُث يعود إلى عواملَ خارجيةٍ، هي بالأساس نتيجة تأثيرات غريبة يُمكن مواجهتُها، والتخفيف من حِدَّتِها وانعكاساتها بالجهد والعمل؛ من أجل ابتعاث وتفعيل قِيَمنا ومبادئنا، والدعوة للتمسُّك بالإسلام.
فالإسلامُ – الذي هو مصدر ثقافة الناس، ومعيار سلوكهم – أَوْلَى عنايةً كبيرةً بالأُسرة التي تُشَكِّل اللَّبِنة الأولى في بناء المجتمعات، والتي يبدأ الخَلَل المجتمعي منها؛ حيث اعتبر الإسلام أنَّ رابطة الأسرة رابطة مقدَّسة، وأنَّ كلَّ محاولة للإخلال بها أو تقويضها هي جريمة، بل هي مجموعة من الجرائم؛ إذ يَتَرَتَّب على ذلك تشريد الأطفال، وإيقاد نار العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع.
لهذا فقد اهتمَّ الإسلامُ بالأسرة اهتمامًا عظيمًا، ووضع لها نظامًا حكيمًا يرتكز على دعائمَ وأسسٍ قوية، فلم يترك الإسلامُ شأنًا من شؤونها إلا ودعمه بقسطٍ كبيرٍ منَ الإرشادات والتوجيهات، التي لو أخذت الأمة بها لسارتْ في طريقها راشدة، كما كان يسير سلفُها الصالح، والذي كان سببًا لأن تحقق الأمةُ خلال مراحل تاريخها الاستقرارَ والقدرة الدائمة على إعادة ابتعاث حضارتها، وقدرتها على صدِّ العُدوان؛ إذ كانت بِنيتها الاجتماعيَّة سليمةً، لم تصب بما أصيبتْ به اليوم، ومع ذلك فإنَّ الأملَ معقودٌ دائمًا على هذه الأمة، شرط عودتها لدينها وإصرارها على التمسُّك بقيمه ومبادئه، حتى يمكنُها استعادة عافيتها، واسترجاع دورها الحضاري المفقود.
ضرورة فطريَّة
وقد وصلتْ عنايةُ الإسلام بهذا المكون الرئيس للمجتمع (الأسرة) إلى درجة كبيرة، حتى إن هذه العناية امتدتْ إلى ما قبل تأسيسها في مُحَاوَلة إلى انتقاء عناصر بنائها بما يحقِّق التلاؤُم، والانسجام، ويُقَلِّل من دوافع الفشل لبنيانها، بل إنَّ الإسلامَ حَثَّ أتباعه على المساهَمة في تكوين هذه الأسرة عبر وسيلته المشروعة وهي الزواج، الذي اعتبره الإسلامُ إحدى سُنَن الله في الخلق لما يحققه من مقاصد في الحياة الإنسانية؛ إذ يقول الله – تبارك وتعالى -: ﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ ويقول: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ﴾ فالزواج إذًا سُنَّة كونيَّة، ولا ينبغي للإنسانِ أن يشذَّ عنها؛ إذ إنَّ اللهَ – ومنذ أن خَلَقَ الإنسانَ الأولَ آدم، وأسْكَنَه الجنة –
لم يَدَعْه وحده في الجنة، فالإنسانُ لا يستطيع أن يحيا وحده بلا أنيس ولا جليس؛ لذلك خَلَقَ اللهُ لآدم من نفس جنسه زوجًا: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ بل إن الرسول دَفَعَ الشبابَ دفعًا إلى تحقيق هذه السنة، موضِّحًا فوائد ذلك ومنافعه فقال: ((يا معشر الشباب، مَنِ استطاع منكم الباءَة فليتزوج، فإنَّه أغَضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصَّوْمِ، فإنه له وجاء))؛
وقد كان كل ذلك وغيره من النصوص دافعًا قويًّا إلى إجلال الزواج، واعتباره إحدى المسائل المهمة التي يجب على المسلم أن يَتَفَكَّرَ فيهَا، ويَتَدَبَّرَ أمرها، ويسعى إلى تحقيقها.
والى لقاء آخر