كتبت : هاجر عبدالله عبدالحكيم
شهدت الفنون الإسلامية في عهد الدولة المرابطية تطوراً كبيراً وأصبح لها طابعها الخاص والمتميز، إلا أن ما وصل من آثار المرابطين نادر وقليل جداً، وتعتبر مساجد تلمسان وندرومة، والمسجد الكبير في العاصمة الجزائرية أحد أهم الآثار المرابطية الماثلة حتى اليوم،وفي أعالي العاصمة الجزائرية، وبمنطقة “ساحة الشهداء”، يوجد “الجامع الكبير” أقدم مسجد في الجزائر العاصمة، ومن أقدم المساجد في المغرب العربي التي شيُدت من قبل الدولة المرابطية التي حكمت الجزائر في القرن الخامس .
“الجامع الكبير بالجزائر”
تتصف جميع المساجد المرابطية بنفس التنظيم المعماري، فعلى خلاف مسجد القرويين، تتعامد البلاطات فيها مع جدار القبلة، كما تنفتح دائماً على صحن في شكل أروقة جانبية تؤطر ساحة واسعة، أما قاعات الصلاة، فتنتظم على شكل مستطيل بأبعاد متفاوته .
يقع الجامع الكبير في الجزء الشمالي الشرقي من العاصمة في منطقة القصبة التاريخية بالقرب من الميناء , ” نهج البحرية سابقا” , عن يسار غرفة التجارة في اتجاه البحر بين شارع المرابطين و شارع سعدي و مختار بن حفيظ مطلا على مدخل المدينة إلى ميناء العاصمة البحري و حسب المصادر التاريخية فقد كان محاذيا لسوق كبيرة في ذاك الوقت مما جعله قبلة المصلين ووجهة لطلبة العلوم الدينية.
” تاريخ بناء الجامع ”
اعتمد المؤرخون في تحديد تاريخ بناء الجامع الكبير بالعاصمة على الكتابة المنقوشة على منبره فأضحى بذلك مادة تاريخية لا يستهان بها. وتم اكتشاف هذا الأثر التاريخي في المسجد الكبير بالعاصمة بعد 90 سنة من الغزو الفرنسي للجزائر، كان ذلك من باب الصدفة، فالمنبر الذي يصعد فوقه الإمام كل يوم جمعة لإلقاء خطبة الجمعة معروف منذ القدم ، وبني المسجد الكبير الذي ظل محافظا على الاسم منذ ذلك اليوم وحتى الآن، على شكل مستطيل غير مرتفع جدا ومغطى بسقف مزدوج من القرميد، وصمم ليتم الولوج إليه عن طريق صحن بواسطة رواق يؤدي إلى ثلاث مداخل في الواجهة الشمالية.
ويرجع تاريخ انشائه حسب ماذكره بارقاس في مجلة الشرق الأوسط سنة 1857 كما نقلها دفولوكس في ترجمته لدراسة اعدت سابقا حول المباني الدينية بالجزائر العاصمة سنة 1870 أما كولين فقد دونها في الصفحة الأولى في مدونته التي صدرت له بالجزائر سنة 1901 لكن المثير في الأمر أنه لا أحد اهتم بموضوع النقش المعماري الذي يحمل كتابة تاريخ بناء المسجد الكبير. . وحسب نفس المصدر فان هذا المنبر لفت انتباه الأثريين و مؤرخي الفن الإسلامي محدثا ضجة وتضاربا بينهم وقد بناه يوسف بن تاشفين في الأول من رجب عام 490 للهجرة الموافق ل 18 جوان سنة 1097 م وفق نموذج العمارة الدينية المرابطية ليكون حينئذ أكبر مساجد الدولة.
وكتب علي المسجد نقيشتين:-
١- كتبت على المنبر الخشبي: “بسم الله الرحمن الرحيم أتم هذا المنبر في أول شهر رجب من سنة تسعين وأربعمائة. الذي عمل محمد”
وبنيت مئذنته بعد حوالي 3 قرون من بناء الجامع عام 1324 للميلاد على يد سلطان تلمسان الزياني أبو تاشفين ابن أبو حمو موسى الأول
٢- كتبت على لوح من الرخام الأبيض ثبت على أحد الجدران بالقرب من مدخل مئذنة المسجد الكبير في الجزائر ليقرأها الداخل إلى واحد من أقدم بيوت الله في العاصمة والعالم الإسلامي.
ثم بعد ذلك حافظ المسجد على مكانته على مدار القرون العشرة الأخيرة منذ بنائه، فزيادة عن دوره العبادي وتدريس القرآن، خرَج العشرات من كبار علماء الجزائر وهو أيضا مركز للإفتاء لأنه ظل الجامع الرسمي لكل من حكم الجزائر منذ الدولة الزيرية الصنهاجية والمرابطين في القرن الـ11 للميلاد والموحدين في القرن 12 و13 للميلاد، ثم حكم الزيانيين الى غاية القرن الـ16 الذي صادف دخول الأتراك الى الجزائر ,الذين جاءوا بالمذهب الحنفي, ومثلهم المورسكيين من سكان الأندلس الذين فروا الى الجزائر بعد سقوط الأندلس، غير أن الجامع حافظ على دوره كمركز إشعاع للفقه المالكي على مدار القرون العشرة منذ بنائه.
” منبر الجامع ”
يتكوّن منبر الجامع من سبع درجات تربطهما عارضتان جانبيتان ذواتا شكل مخمس الزوايا، وتزينهما ألواح مزخرفة تتخذ شكل مثلثات ومربعات منحرفة، وفي مدخل الدرج يوجد إطار عال ومستطيل ينفتح بواسطة قوس متجاور ومنكسر وفي جنباته عقدان متراكبان.
على السور المحيط بالجامع يوجد عدة مداخل، أهمها المدخلان الرئيسيان، واللذان ينفتح أحدهما مباشرة على فناء المسجد والآخر بمحاذاته، إضافة إلى بابين آخرين يخترقان جدار القبلة أحدهما على اليمين ويمثل مدخل قاعة الصلاة والآخر يمثل مدخلا إلى مقصورة الإمام.
وتقع المئذنة في الزاوية الشمالية الشرقية، وتتخلل واجهاتها كوات مستطيلة ذات عقود مفصصة مسدودة وغطاء من الزليج الأبيض والأزرق، وفي الجهة الشمالية الغربية للمسجد والمطلة على شارع المرابطين وفوق أرضية من بلاط السيراميك الأزرق والأبيض يمتد رواق من الأعمدة الرخامية ذات تيجان مزينة بزخارف نباتية، وتنتهي الأعمدة الرخامية بأقواس متعددة الفصوص، زُين أعلاها بشرفات مسننة الشكل.
” فناء الجامع ”
مستطيل يبلغ طوله 20,80 م و عرضه 10,80م وبه قبتان تظلان ميضاءتين للوضوء إحداهما عن يمين باب الفوارة ـ النافورة ـ والثانية عن الشمال، وهما و إن كانتا متشابهتين في شكلهما وظاهرهما فإنهما في الحقيقة والواقع مختلفتين تماما من حيث التاريخ والصنع والمادة التي يقوم عليها حوض الوضوء.. فالأصلية القديمة هي التي عن يمين الباب، وحوضها هو قطعة واحدة من خالص الرخام الأبيض وقاعدته مزخرفة بنقوش منحوتة فيها، ويرجع عهدها إلى العهد التركي حسبما تهدي إليه قواعد الفن؛ وأما الأخرى فهي مستحدثة أخيرا فقط قلد فيها وضعية الأولى وشكلها، وتاريخها لا يزيد عن بضع سنوات مضت، ومادة حوضها من الإسمنت، زيدت للحاجة إليها كما زيدت في هذه الأيام الحنفيات الموجودة عند مدخل باب الجنينة.
” دور الجامع الحضاري في الجزائر ”
يمتد دور الجامع الكبير ليشمل مجالات عديدة ومنها تحفيظ القرآن الكريم للأطفال الراغبين بذلك، وقد تخرج فيه علماءٌ وفقهاء وأئمة اكتسبوا سمعة طيبة ولعبوا دوراً في تبصير شباب البلد بأمور دينهم ومنهم الشيخ بابا عمر رحمه الله الذي كان مفتياً ضليعاًَ والشيخ عمر شوتري و الشيخ شارف والشيخ مصطفى بن يلس وهم خطباء مفوّهون، ما يؤكد على الدور الحضاري الكبير لهذا المسجد العريق ، تتميز تصميمات المساجد المرابطية بانتظامها كلها وضخامتها العمرانية، كما تتميز عن سالفها من المعالم بالتشبث بمبدأ التناظر، سواء في قاعات الصلاة أو في الصحون.
فقاعة الصلاة فيه مستطيلة، عرضها أكبر من عمقها تتعامد البلاطات فيها مع جدار القبلة. كما تنفتح دائما على صحن في شكل أروقة جانبية تؤطر ساحة واسعة.ويكون البلاط المحوري أكبر وأعلى من البلاطات الأخرى وقد اكتسب هذا المحور قيمة فنية راقية وجديدة بتغطيته بأشكال مختلفة وبديعة من القباب .
وبهذا يعد المسجد الكبير هو ثالث أكبر المساجد في العالم من حيث المساحة بعد الحرمين، وبه أطول مئذنة بناها المسلمون حتى الآن بطول 265 متر ، وهو ثالث أكبر مسجد في العالم بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي .
نقاش حول الموضوع الحالي