الخسارة والحزن والفقدان عند الأطفال.
بقلم د.محمد أحمد عبدالحميد
استراتجيات التعامل مع مراحل الصدمة المرتبطة بوفاة أحد الوالدين
المقدمة
رغم إن الموت يمثل إحدى حتميات الحياة ، إلا إن الاسى والحزن والمحنة
المرتبطين بمشاعر الفقد لااشخاص مهمين ومقربين في الحياة يشكل حتمية أخرى تضاف إلى واقع الحياة
الانسانية ، ومن الطبيعي بمكان أن تستغرق مرحلة الحزن والاسى بعض الوقت لحين التمكن من تقبل واقع
الفقد ومن ثم القدرة على الانتقال إلى دورة حياة جديدة الخيار في التعايش مع واقعها ومحاولة التكيف معها.
هذا ويعتبر فقدان ألاسرة أحد أعضائها أحد أصعب الخبرات المؤلمة التي تواجهها الاسرة خلال دورة حياتها، خاصة إذا كان هذا الفقيد يمثل ركن أساسي في بناء هذه ألاسرة كاألاب والام الذي يمثل فقد أحدهما أو كالهما ضغطا نفسيا شديدا على ألابناء قد يؤثر على جوانب حياتهم التالية، بل إن حالة الاضطراب التي تعقب الوفاة قد تؤثر سلبا على األبناء أكثر من موضوع الموت بحد ذاته.
وقد يعتقد البعض خطأ إن التأثير النفسي المصاحب لفقد أحد الوالدين قد يؤثر على فئة الراشدين والمراهقين
اكثر من فئة ألاطفال أو إن ألاطفال لايدركون معنى الموت و بالتالي الا تتسم معاناتهم نفس الدرجة من أللام
، إلا إن كثير من الباحثين يؤكدون أن ألاطفال قد يحزنون بعمق ولفترات زمنية أطول من البالغين ولكن طريقة تعبيرهم عن إحساسهم بالفقد تختلف عن ألاشخاص البالغين .
و يفسر الباحثين عدم إدراكنا ذلك في ضوء القراءات غير الصحيحة لاأسلوب الطفل في التعبير عن نفسه وقلة المخزون اللغوي التعبيري للطفل،
ألامر الذي قد يجعل المحيطين بالطفل يخلطون بين انهماك الطفل وانشغاله باللعب أثناء فترة الحداد وبين
حزنه المكتوم غير المرئي بالنسبة للمحيطين بالطفل والذي يتخذ فيه اللعب وسيلة للتعبير والتفريغ الانفعالي
كأحد ألادوات الدفاعية التي يجيد التعبير عنها. بل إن كثير من الدراسات قد بينت أن الطفل يدرك فقده لوالديه
حتى في مرحلة الرضاعة ولكن مفهوم الطفل للموت و رد فعله تجاهه قد يختلف باختلاف مرحلته النمائية
ً بالاختلاف التفكير العــاطفي و المعرفي عند كل مرحلة نمائية.
تبعالذا فإن الفهم الصحيح لكيفية إدراك الطفل لمفهوم الموت وفق مرحلته النمائية سوف يساعد في تقديم المساندة
النفسية والعلمية الملائمة لمرحلته النمائية وتجنب الكثير من المشكلات النفسية والاجتماعية التي قد تنجم عن عدم فهمنا للمساعدة المطلوب تقديمها للطفل وفق إدراكاته الخاصة.
لذا فإن هذا المقال سوف يحاول تسليط الضوء على كيفية إدراك الطفل لمفهوم الموت وألاسلوب الملائم
لااخبار الطفل بوفاة والده والاستراتيجية الارشادية الملائمة للتكيف مع ظرف الوفاة وتوصيات إرشادية
للمختصين في العملية التعليمية.
0 .ما هي مراحل الحداد النفسي للطفل
2 .ما هي ردود فعل الطفل ومشاعره تجاه وفاة أحد والديه تبعا لمرحلته النمائية ؟
3 .كيف يستطيع أحد الوالدين مساعدة الطفل على تخطي مراحل ألاسى والحداد النفسي؟
4 .ما هو دور المدرسة في مساعدة الطفل على تخطي مراحل ألاسى والحداد النفسي؟
5 .ما هي العوامل المؤثرة في قدرة العائلة على التكيف؟
● مراحل الحداد النفسي والمحنة النفسية للطفل الفاقد لوالديه.
يرى الباحثين إن مراحل المحنة عند الطفل لاتختلف في موضوعها عن نظيرها عند البالغين ولكن قد يختلف
أسلوب التعبير عنها عند ألاطفال مقارنة بالبالغين.
وقد لخص الباحثين و األخصائيين النفسيين العاملين في المؤسسات النفسية ذات الصلة
مراحل المحنة المشتركة بين ألاطفال على النحو التالي:
إن الوفاة قد حدثت وقد يتفاعل.
0 .الصدمة والغضب والانكار : في هذه المرحلة الا يصدق الطفل ألاكبر سنا
مع الموقف بأنه لم يحدث نتيجة لرفضه تقبل ألامر الواقع أما بالنسبة للاطفال الاصغر عمرا
مفهوم الموت لديهم فإنهم يعتقدون إن الوفاة هي حالة مؤقتة كالمرض مثال وان المتوفين سيسافرون لفترة
وجيزة ثم يعودون للحياة مرة أخرى. وقد يعبر الطفل عن رفضه للفكرة عن طريق غضبه ، فقد يشعر بالغضب من المتوفى نفسه لماذا تركه وحيدا وقد يشعر بالغضب أيضا من المستشفى أو الطبيب لعدم قدرتهم على شفاء والده وقد يمثل الغضب قناعا يحاول فيه إخفاء الطفل خوفه وإحساسه الشديد بالفقد.
2 .الخوف والقلق : ويعتبر رد فعل طبيعي وشائع عند الطفل حيث يستشعر الطفل عدم ألاحساس باألامان فمايحدث أمامه لم يفسر له ويبدأ في طرح التساؤلات من سيهتم بي ويرعاني ؟ هل يمكن أمي ان تتغلب على حزنها ؟
هل ستتوفى امي ايضأ ؟ أين سأذهب عندما أموت ؟ وهل سأموت أنا ايضأ ؟ …وهكذا ويلاحظ أن
معظم ألاطفال يمرون بهذا الشعور حتى يصلون إلى مرحلة إدراك واقعي لمفهوم الموت . ويعبر ألاطفال عن خوفهم من خلال ألاحلام المفزعة والتبول اللإرادي ، الم المعدة،إضافة إلى سلوك النكوص حيث يلاحظ أن
ألاطفال يتراجعون في مرحلتهم الطفولية إلى مرحلة سابقة.
3 .الشعور بالذنب والمقاضية يلاحظ إن معظم الاطفال على اختلاف أعمارهم يسود لديهم هذا الشعور بالذنب
فعدم قدرة الطفل على الربط بين السبب والنتيجة وتمركزه حول ذاته يجعله يستشعر بأنه المسؤول عن وفاة أحد والديه كنتيجة لسوء تصرفه .فيكرر في نفسه : “لقد تركني والدي بسبب سوء تصرفي أو بسبب شقاوتي أولااني لم اكن مطيعا له” ..الخ. كما تتعدد صور الشعور بالذنب فقد يستشعر الطفل إلاحساس بالذنب نتيجةإحساسه بالعجز عن إظهار فعل سلوكي يمنع وفاة والده أو والدته أو يحميهم وقد يصاحب الشعور بالذنبالرغبة في المقايضة وهي تمني عودة الزمن إلى الوراء لتعديل أو معالجة سبب الوفاة وقطع وعود معينة تساعد على استمرارية الحياة –تبعأ لاادراك الطفل-فعلى سبيل المثال إن يتمنى الطفل عودة والده إليه مقابل إن
ُ يحسن من سلوكه فمثال يطرح الصراع التالي” لو كان والديحيأ لما قمت بهذا التصرف” ” لو كان والده حيا
لااعتذرت له عما بدر مني” ، لو عاد والدي إلى الحياة فسوف أعده إني لن أقوم بالتصرف الذي يغضبه”.
4 .الحزن وألاسى : عندما يمر الطفل في هذه المرحلة فإنه بذلك قد أدرك واقع الوفاة وتقبل هذا الواقع بدون اعتراض ولكنه حزين لهذا الواقع، وقد يلاحظ على الطفل ارتباط هذه المرحلة بقلة النشاط عنده.
5 .تقبل الواقع: ألاستسلام لما حدث والتعايش مع الموقف على الرغم من الحزن، وتمثل هذه المرحلة أخر
مرحلة من مراحل المحنة.
وبشكل عام ليس بالضرورة أن يمر الطفل بهذه المراحل بشكل متسلسل فقد يمر بهذه المراحل بشكل دائريمع بلوغه مرحلة نمائية جديدة حيث يكتسب فيها مفاهيم اعمق عن الموت وبالتالي يدرك الافتقاد بأحد الصورالسابقة.
●ردود أفعال الطفل ومشاعره تجاه وفاة أحد والديه تبعالمرحلته النمائية.
أن كثير من ألاطفال يدركون مفهوم الموت ولكن بأسلوب يختلف عن إدراك الراشدين له ،كما إن إدراكهم للموت يختلف باختلاف مراحلهم النمائية.تبعا لذلك فإن اسلوب التعامل النفسي والتدخل الارشادي الملائم
سوف يرتكز على فهم المحيطين بالطفل إدراكه الخاص للموت وفق مرحلته النمائية. وقد اتفق على تصنيف
ردود أفعال ألاطفال تجاه وفاة والديهم وفق أعمارهم على النحو التالي:
– مرحلة الرضاعة )صفر- عامين(:الا يدرك الطفل ماهية الموت ولكنه يستشعر غياب أحد والديه ويفتقد بعض العناصر المرتبطة بالفقيد كصوته ورائحته ونشاطه أمام الطفل ويستشعر الرضيع حزن أحد والديه من خلال ملامح الوجه كما يستشعر الرضيع تغير في مستوى ألاهتمام به ويلاحظ ألانشغال عنه ، ويعبر الرضيع عن إحساسه بغياب الوالدين من خلال شعوره بعدم الراحة وابداء انزعاجه وازدياد مرات بكاءه وتغير عادات الطعام والنوم والخروج والتبول.
تبعا لذلك يفضل بقدر إلامكان محاولة اإلبقاء على الروتين اليومي في إطعام الطفل والعناية به أو التعاون مع المحيطين وألاقارب المعتاد على الرضيع وجودهم مسبقا في حياته.
– المرحلة العمرية من سنتين إلى خمس سنوات: وتوازي هذه المرحلة مرحلة ما قبل العمليات فقد يبتدئ إدراك مفهوم الموت ولكنه يعتقد انه مؤقت وليس دائم بشكل واضح فنمو مفهوم الزمان والمكان بالنسبة غير واضح وبالتالي لا يدرك إن وفاة والده تعني افتقاده للابد ، فالطفل في هذه المرحلة يعتقد غياب والدة هو حالة مؤقتة كالسفر والنوم ثم سيعود بعدها إلى الحياة، وتبعا لذلك نجد ان الطفل في هذه المرحلة يميل إلى تكرار السؤال التالي ” متى سيرجع والدي” وقد يتشتت في تفسير معني إجابات المحيطين مثل إن والده ذهب للابد أو إن والده سينام لفترة طويلة .
كما يتسم ألاطفال في هذه المرحلة بالتفكير الخيالي أوالسحري غير المنطقي ، ويصعب عليهم الربط المنطقي
لذلك نجدبين السبب والنتيجة ، وتبعا هم يعتقدون إن غياب والدهم عنهم هو عقاب لهم على سوء تصرفهم ًويعتقدون انهم لو قاموا باالاعتذار فإن عودة والدهم ممكنة، وقد يعتقد إن مجرد تفكيره قد يؤثر في وقائع ألاحداث مثال على ذلك : حالة طفل يتمنى أن يتوقف ألم والده المريض ثم يتفاجأ الطفل إن ألالم قد توقف بوفاة والده وهنا تنتاب الطفل مشاعر الذنب نتيجة تفكيره الذي أدى إلى وفاة والده. لذا فمن هذه المرحلة مناقشة فكر الطفل والتأكيد عليه بأنه ليس مسئول بأي شكل من ألاشكال عن وفاة والده.
وقد يبكي الطفل لرؤية الاخرين يبكون وليس لاادراكه الحقيقي للموت بحد ذاته. وعندما يدرك الطفل انه لن
يرى والده مرة أخرى فإنه بالمقابل يعتقد إن والده يزاول حياته الطبيعية كاالاكل والشرب بل انه قد يراقبه من
مكان ما.
هذا ومن السلوكيات المصاحبة للاحساس بالفقد في هذه المرحلة ازدياد السلوك العدواني، النكوص، التبول
الالإرادي، الاحتماء بغطاء الفراش ، الهروب إلى اللعب والتعبير عن شعوره بالذنب عن طريق حواره مع ألالعاب ، آلالم المعدة، الجوع العاطفي تجاه ألاقارب و حتى الغرباء يظهر بعض الحزن في الملامح لفترة قليلة من الوقت.
– المرحلة العمرية من ست إلى عشر سنوات
يدرك الطفل في هذه المرحلة الفرق بين ألاحياء وألاموات وان ألاموات لايسمعون ولايحسون ولايزاولون الحياة الطبيعية من أكل أو شرب كاألاحياء.
يستمر الطفل في التفكير الخيالي غير المنطقي ويستمر عنده الشعور بالذنب ولكنه يدرك ألاطفال بأن الموت
هو مرحلة دائمة وليست مؤقتة وبالتالي يستشعر الطفل في هذه المرحلة قلق ألانفصال ويخاف الطفل من كون الموت عملية مستمرة قد تحدث لوالدته أيضا كما حدث لوالده.
يستطيع الطفل أن يعبر عن مشاعره ولكنه يفضل أن يكتمها ويخفيها ويتظاهر بالعكس. ويحتاج الطفل في هذه المرحلة إلى كثير من المعلومات التي تساعده على التوافق فقد يظن الطفل في المرحلة إن الموت أشبه بالعدوى وقد تصيب هذه العدوى أشخاص قريبين منه بما فيهم هو نفسه.
يتحدد تصنيف الطفل لااسباب الوفاة في التالي: كبر السن، المرض، نتيجة وفاة عنيفة(كالقتل أو الانتحار).
يفضل في هذه المرحلة مشاركة الطفل تفكيره، والتأكيد على إجابة أسئلته بصدق حتى لايستشعر مسئوليته عن وفاة الفقيد، مشاركته الحديث عن أحلامه حيث تزداد عنده ألاحلام والكوابيس المخيفة، طمأنته إن مشاعر الحزن هي مشاعر طبيعية وألافصاح عنها متقبل من الجميع، تجنب استخدام بعض التعبيرات “أنت ابن قوي” ، ” كل شيء على ما يرام” لان الطفل يدرك أن ما يراه في الواقع شيء مختلف .
– المرحلة العمرية من 12 إلى21 سنة
تزداد معلومات الطفل في هذه المرحلة عن مفهوم الوفاة ولذا تتوقف تساؤلات الطفل عن الفقيد والموت مقارنة بالمراحل السابقة. كما يستدرك الطفل إن الموت أمر حتمي في الحياة وأنه نهاية للحياة وتبعا لهذه الحقيقة، فإن المتوفى لن يعود إلى الحياة. كما يستدرك الطفل المفاهيم المجردة المصاحبة لمفهوم الموت كالروح، الجنة…الخ ويزداد اهتمامه بالجوانب الروحية والدينية للتكيف مع الوفاة. مقارنة بالمراحل السابقة تتضح ملامح الحزن على وجه الطفل وتزداد فترة تعبيره عن الحزن، لذا يحتاج الطفل في هذه المرحلة إلى أن يعبر عن حزنه والى من يسمع تعبيره عن ألالم ويسانده نفسيا في التغلب على مشاعر المحنة التي يمر بها.
كما يلاحظ في هذه المرحلة تأخر ردود فعل الطفل تجاه المحنة ، فمراحل المحنة تتأخر عنده مقارنته بالشخص البالغ فعند بداية المحنة نجده يتصرف بتبلد وبسكون مع الموقف و كأن شيئا لم يحدث انعكاسا لعدم استيعاب مشاعره لما قد حدث، ولكن الا يلبث بعد فترة أن يظهر شدة التأثر . وقد يحاول الطفل في هذه المرحلة أن يظهر تحمل المسؤولية او ان يتقمص دور الاب كتعويض نفسي عن فقد دور ألاب ولكن يجب الايشجع على تحمل دور اكبر من قدراته وطاقته العمرية.
وبهذا نكون قد تعرفنا على مراحل الحزن والتعبير عنها عند ألاطفال خلال مراحل عمرة المختلفة .
والي اللقاء في مقال آخر بأذن الله
