” الكينوا “.. الغذاء الأقرب للتكيف مع المناخ
بقلم : ثابت أمين عواد
فرض التغير في المناخ على الإنسانية البحث عن وسائل وبدائل غير تقليدية تمكن البشر من التخفيف من مخاطر هذا التغير، والتكيف مع نتائجه، ويتركز هذا التغير ويؤثر بقوة، بوجه الخصوص، في مجال الطاقة والغذاء.
وشهد قطاع الطاقة جهودًا جادة أسفرت عن نمو ملحوظ في الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة، أما الغذاء فما زالت جهود العلماء والباحثين تفتش عن تطوير سبل إنتاج الغذاء وترشيد زراعة محاصيل جديدة تتحمل المتغيرات المناخية وتداعياتها، ومن بين المحاصيل التي أوجدتها تلك المتغيرات نبات “الكينوا – Quinoa” الذي يتردد أنه بديل عن القمح، فضلا عن مزاياه الصحية اللامحدودة، بشهادة مراكز البحوث العلمية والزراعية في مصر، فضلا عن شهادة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو” والتي اعتمدت نبات “الكينوا” ضمن المحاصيل الرئيسية التي ستلعب دورًا مهمًا في ضمان تحقيق الأمن الغذائي خلال القرن الحادي والعشرين، يساهم في تقليل الفجوة الغذائية المتوقعة مع المتغيرات المناخية.
شهادة البحوث الزراعية هنا، واعتماد “الفاو” لهذا النبات يأتي لمحتواها العالي من البروتينات والأحماض الأمينية الأساسية المفيدة لصحة وسلامة جسم الإنسان، إضافة إلى أنها مصدر جيد للعديد من المعادن والفيتامينات مثل: الحديد، والزنك، والنحاس، والمغنيسيوم، وحمض الفوليك.
ولفوائدها العديدة، كانت “الكينوا” تلقب بـ”أم الحبوب”، وهي ليست اكتشافًا جديدًا؛ بل عرفها الهنود الحمر في القارة الأمريكية، فقد منع المحتلون الإسبان الهنود الحمر من زراعتها؛ نظرًا لاعتقادهم بأنها مصدر قوتهم في مقاومة الإسبان، فكانوا يفرضون عقوباتٍ على الأشخاص الذين يقومون بزراعتها، وتجدد الاهتمام بها بشكل ملحوظ خلال الثمانينيات، فقد تمكن العديد من دول أوروبا مثل ألمانيا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا وهولندا وبلجيكا من زراعة الكينوا على نطاق تجاري، ومن المتوقع أن تشهد توسعًا في زراعتها بعدد من الدول الأوروبية.
في عام 2005 أدخل مركز البحوث الزراعية محصول الكينوا من خلال معهد بحوث المحاصيل الحقلية، لتنتشر زراعته بمدينة نويبع بجنوب سيناء ، بالإضافة إلى مرسى مطروح، وتؤكد الدكتورة شيرين منصور الخبير بمركز بحوث الصحراء، الباحث المتخصص في نبات الكينوا، أن هذا النبات، الذي ينتج محصولا مثل حبة الأرز، يعد بروتينًا نباتيًا كاملًا، يقي من الإصابة من أمراض القلب، وبعض أنواع السرطان، ويعد ضمن الأغذية الغنية بالألياف، فيساعد على حرق الدهون المتراكمة بالجسم، والتخلص من الوزن الزائد، كما يقلل من نسبة كولسترول الدم، ويحتوي على عدد من المعادن الضرورية للأم الحامل وللجنين، لاحتوائه على المنجنيز والمغنيسيوم والحديد.
معمليًا، أثبتت الاختبارات العلمية أن المناخ في الصحراء المصرية، يتناسب تمامًا مع زراعة الكينوا، خاصة مع التحول الذي يشهده الطقس والتغيرات التي تجتاح المناخ، حيث يتحمل النبات العوامل المناخية القاسية، ويحتاج إلى مياه ري قليلة، فضلًا عن فوائد صحية إضافية مثل تقوية الجهاز المناعي لتوافرعناصر غذائية متعددة، كما يحتوي على نسب جيدة من الكالسيوم.
في مطروع أنشئت 14 مزرعة نموذجية بالتعاون بين مركز بحوث الصحراء، والمركز الدولي للزراعة الملحية بدبى بالإمارات، وهي تجربة شاملة، منذ بداية استغلال الأراضى الملحية بزراعتها، ويوضح الباحث المتخصص لنبات الكينوا، أنه تم تنفيذ المشروع فى مركز ومدينة الخارجة على مساحة تزيد على 26 فدانًا، وتخدم حوالى ٤٥٠٠ مزارع في نطاق 4 جمعيات زراعية، وهناك اتجاه للتوسع في زراعة المزيد لتناسب المحصول مع الطقس والتربة ونوعية المياه.
من بين أهم فوائد هذا المشروع – كما توضح د. شيرين – تزويد المزارعين بالأصناف الجيدة من بذور الكينوا، ودعم وبناء قدراتهم في أساليب الإدارة الزراعية المستدامة لزراعة المحصول من خلال التدريب والزيارات الحقلية وتوفير الأسمدة والمخصبات الحيوية لهم، بالإضافة إلى توفير المعدات والآلات الزراعية.
وثمار “الكينوا” تحمل قيمة غذائية مرتفعة، فتصنع منها المعجنات والمخبوزات والكيك والرقائق والبسكويت والحلوى، وهو محصول جيد يتناسب مع الطقس في بلادنا ومع المتغيرات المناخية بشكل عام، لإمكانية زراعته بمياه ري تحمل نسبة من الملوحه.
كثيرًا مايقارن بين هذا المحصول وبين حبوب “البرغل”، إلا أن الكينوا بها عناصر أفضل، حيث تحتوي على 8 جرامات من البروتين لكل كوب، مقارنة بالبرغل الذي يحتوي على 4 جرامات من البروتين لكل كوب.
تردد أن هناك بعض المضار لثمار الكينوا، وتنبع هذه المضار من أن بذورها مغلفة بمادة كيميائية، وهي مادة تحمي هذه البذور طبيعيًا من الآفات الزراعية، مما قد ينتج عنه حساسية غذائية لدى البعض عن تناولها، إشارت الباحث المتخصص إلى أن هذا النبات آمن، حيث ينتشر في الدول الأوربية ويتناوله مختلف المستويات والفئات.
المعروف أنه لايوجد نبات أو ثمار دون جانب آخر تزيد أو تقل لدى البعض، إلا أننا أمام تحد مزمن وجديد ومتجدد وهو تحد “رغيف الخبز” الذي يتصدر قائمة وارداتنا من الخارج، ويلتهم غالبية قوائم الدعم، وهذا المحصول بإمكانه أن يقدم الكثير والكثير للوطن ولأبنائه.



































































