خاطرة للتذكرة والتبصرة
دروس مستفادة من سيرة تاريخ هجرة سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم
بقلم د. ابراهيم الجمل
الحلقة الأولى:
1 – أن النصر من عند الله مهما كاد الكائدون شريطة أن يتوكل عليه المتوكلون
مع الأخذ بالأسباب وإعمال العقل وعدم الإستكانة …
فقد نصر الله رسوله وصاحبه على الرغم من فرض المشركين مائة ناقة لمن أتي به حيًا أو ميتاً قال تعالى
(إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ…)
2 – لابد من الصبر والتأني والحلم وحسن الخلق مع التفاؤل والأمل وطلب العلم وترك التنازع والجدال مع الاستعانة بالله
حتى يأتي النصر من عند الله كما كان حال النبي والصحابة في المرحلة المكية
فكان حول بيت الله الحرام مايزيد عن ثلاث مائة صنم لم يتعرض لهم أحد بسوء حتى يأتي الوقت المناسب …
3 – أن أهل الباطل لن يتركوا أهل الحق مهما كانوا مسالمين
وأن العلل والإدعاءات التي تشوه صورة الحق لكي يكون هناك مصوغ أو مبرر
للقضاء على الحق أمام الناس لن يصعب على أهل الباطل اختلاقها أو انتحالها …
قال تعالى
(قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)
4 – تدخلت العناية الإلهية بالمعجزات في الهجرة مراراً
حتي يتأكد لكل ذي عقل أن النبي صلى الله عليه وسلم مؤيد من ربه
سواء عند خروجه من داره أو عند إدراك المشركين له في الغار ولم يروه
أو عند إدراك سيدنا سراقة بن مالك له ووعده بإسورتي كسرى ….
5 – كما أن التخطيط والتعاون مع صدق الإيمان كان سبيل سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم
في نجاح حادث الهجرة، فكانت بيعة العقبة الأولى والثانية
وإرسال سيدنا مصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه
وترك سيدنا علي بن ابي طالب في فراشة وتجهيز راحلتين
والتعاون والمشاركة من الجميع حتى النساء والشباب والغلمان والاستعانة بأهل الخبرة الأمناء من غير المسلمين
كان ومازال سر النجاح ليس فقط في هذه الرحلة بل في الوقت الحاضر والمستقبل …
6 – النبي هو الأسوة والقدوة للأمة ليس فقط في حال الضعف
بل كذلك في حال القوة فكانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم
تشمل المرحلة المكية قبل الهجرة والمرحلة المدنية بعد هجرته صلى الله عليه وسلم
7 – الهجرة كانت امتحان واختبار للصحابة سواء للمهاجرين أو الأنصار
لأنها فيها بذل وعطاء لذا لم يهاجر منافق واحد
ولم يشارك في البناء إلا الصادقين الذين وصفهم الله مادحًا إياهم
( أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ )
8 – الفرار بالدين والحفاظ على الدين هدف وغاية يستحق أن يترك كل مؤمن داره وأهله وكل غالٍ ونفيس من أجل الحفاظ عليه ،
وليس كما يفعل البعض مع أبنائه أو يربي أولاده على أن أهم شيء في الحياة أن يأكل ويلبس ويسكن ويركب…
بشكل مرضي وأن ما بعد ذلك ليس مهماً ،
وليس عيبا أن تملك كل هذا ولكن العيب أن يكون هذا هو هدفك الأول أو الأوحد فتكون ممكن وصفهم الله
( وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ )
9 – هجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت فراراً بالدين وبناءً للدولة التي من خلالها يحفظ الدين وتقام شعائره
وهذا يؤكده ويؤيده التاريخ والواقع فتحرص الآن الكيانات الغاصبة على قيام دولة على أنقاض شعب قد ذاق الأمرين
حتى تكون لهم دولة تطبق تعاليم الدين الذي يؤمنون به ….
بل إن المذاهب والأديان سواء كانت الإلهية أو الوضعية الموجودة الآن
لا تقوم إلا من خلال دولة بل وهناك الكثير من المذاهب والحركات والأديان والتيارات الفكرية الموجودة
الآن مازالت مجرد كيانات لا تأثير لها لأنها ليس لها دولة
بل أذهب بالقول إلى ما هو أبعد من ذلك في التأكيد على أن قيام دولة هو قيام للدين
وأن قوة تواجد الدين مرهون ببقاء الدولة
كما حدث في التاريخ من سقوط الدولة في الأندلس كان ليس سقوطا للدولة فقط بل كان سقوطا مدويا للدين
وكما حدث من سقوط للدول التي اجتاحتها الدولة الروسية في الماضي …. لم يعد للدين قيام فيها .
من هنا
لابد من التأكيد على أهمية الحفاظ على الدولة وأن الحفاظ عليها يعد حفاظا على أهم مقاصد الشريعة الإسلامية
وهو الحفاظ على ، الدين ، والنفس ، والنسل ،والعقل ، والعرض ، والمال
10 – من أهم الدروس المستفادة من سيرة هجرة خير الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم
أنه بنى الدولة على قواعد من أهمها
– بناء المسجد وهو يرمز إلى أنه لابد عند بناء الدول والحفاظ عليها من الاستعانة بالله والتوكل عليه
وحسن صلة أهل الأرض بمالك الملك والملكوت
وأن الله هو المانح والمانع والكافي والولي الناصر
وأن التمكين في الأرض له مقتضيات منها إقامة الصلاة قال تعالى
( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ )
وقال تعالى
( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا )
* كما أن النبي آخى بين المهاجرين والأنصار ووحد بين الأوس والخزرج من الأنصار
وأن الأخوة في الإيمان والعقيدة كانت هي الرابط القوي بين أفراد الأمة والدولة حتى يكفل بعضهم بعضا وينصر بعضهم بعضاً …
* وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم العهود والمواثيق على غير المسلمين وكتب دستور المدينة المنورة الذي يؤكد عالمية وإنسانية الاسلام
فليس معني أن يكون هناك إخوة بين المسلمين في الدين ألا يكون هناك إخوة بينهم وبين غيرهم في الإنسانية
حتي يعم السلام والنماء والعطاء والخير على الجميع
ويتعاون الجميع في الحفاظ على الوطن الذي يجمع الجميع ويعيش على أرضه من خيره الجميع
وأن التفاضل بينهم بتقوى الله والعمل الصالح
وأن الجميع أمام القانون سواسية دون النظر إلى تمييز من لون أو عرق أو نسب …. وبنى صلى الله عليه وسلم قوة تحمي هذا المجتمع وهذا الحق
فكانت القوة المنظمة التي تعمل على حماية وتنفيذ الشعائر والعهود والمواثيق
التي تحمي المنهج والوطن والمواطنين وهو الجيش والقوة المسلحة
التي تحمي الدولة في الداخل والخارج
11 – كما أن هناك معاير إيمانية و أخلاقية ذكرها القرآن
كانت متوفرة في الجيل الأول الذي هاجر وأقام الدين وبنى الدولة من أهمها
. أنهم كانوا صادقين قال تعالى :
( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)
. أنهم صافية قلوبهم من الأضرار كالحقد والغل والبخل والجبن ….
بل إنهم يحب بعضهم بعضا
( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ )
فما أحوج الأنام لهدي خير الأنام صلى الله عليه وسلم
كتبه
د . إبراهيم الجمل
وصل اللهم وسلم وزد وبارك الله مسك الختام ومصباح الظلام وعلى آله وصحبه الكرام وسلما تسليما كثيرا
الجمعة
29 ذي الحجة 1445هجرية
الموفق 5 /يوليو 2024 م