رَمَضَانُ شَهْرُ تقوية إرادة الإنسان
======================
الحلقة الرابعة لسلسة مقالات
الاستاذة الدكتورة مفيده على ابراهيم
عميدة كلية الدراسات الاسلامية والعربية بالازهرالشريف
======================
الصوم أعظم مدرسه لتربيه النفوس المسلمة .. إنه مدرسة تختلف كثيراً عن المدارس التربوية الأخرى التي تعتمد في التربية على الإلقاء البحت للمواعظ والحكم فتحرك القلوب ثم ما تلبث أن يذهب ما فيها من خشوع وتأثير بمرور بعض الوقت، دون أن تنعكس في السلوك الشخصي للفرد بفعل إيجابي أو عمل جديد يقوّم النفس ويهذبها، ويصير لها عادة ملازمه في طريق الحياة. أما في مدرسة الصوم فتتم التربية الإيمانية بممارسه عملية للصائمين أنفسهم طيلة شهر بكامله يتدربون فيها على الإيمان، والمثل علماً وعملاً، ويجدون في الصوم دروس غالية يتعلمون منها الكثير.وفي هذا الشهر الكريم نستعرض بعض هذه الدروس العملية العظيمة التي نجدها في «مدرسه الصوم» حيث يظهر لنا روعة هذه العبادة. فسبحان العلي القدير الذي شرع لنا كل هذا الخير مما فيه صلاح نفوسنا وحياتنا.
أن العبادات في الإسلام، من صلاة وقيام وصوم وحج وغيرها، إذا لم تستند إلى ظهير خلقي؛ فإنها لا تفيد صاحبها يوم القيامة، وتتركه على أبواب جهنم ,و إن غياب العديد من القيم الأخلاقية والفضائل الإنسانية عن مجمعاتنا كان من أهم أسباب التغيرات المتسارعة، التي فقدنا فيها الكثير من خصائصنا كأمة إسلامية وعربية، عرفت بالكرم والمروءة والسماحة
الإيمان بعقيدة هذه الأمة، والاعتزاز بالانتماء إليها، واحترام قيمها الحضارية والثقافية، والاعتزاز والتمسك بها، والشعور بالتميز والاستقلالية الفردية والجماعية،وهي غير قاصرة على الانتماء العربي ولا تتعارض مع الانتماء الوطني فالعربية وعاء الدين , والإسلام دين الشمول يتضمن كل الديانات وكل الرسالات السماوية .
وللأخلاق مرتبة عظيمة وأهمية قصوى للفرد والمجتمع وقد لخص الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: «إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق»، للتأكيد على أهمية الخلق الحسن.
في رمضان يتعلم الصائم الكثير من الأخلاق الحسنة، فالصوم ابتداء يكسر الشهوة ويقوي إرادة الإنسان ويدفعه للتحكم في غرائزه وميوله ويهذب شهواته. ويعلمنا الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية، والصبر على أذى الآخرين، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: «فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم».
وهذا الصبر ليس مطلوباً في رمضان فقط، بل في جميع الأوقات وهو قيمة عظيمة ترفع من شأن صاحبها عند الله وعند الناس، وتجعل منه قادراً على أن يحكم عقله لا عواطفه ويتجاوز عن اخطاء الآخرين. والمسلم يستثمر شهر رمضان لتعميق الأخلاق الكريمة، ومنها تقوية الإرادة والانضباط والالتزام، فالصائم يمتنع عن الطعام والشراب بإرادته، ويلتزم بمواعيد معينة لا تتقدم ولاتتأخر، وهذا الانضباط والالتزام يشترك فيه الصائمون في شتى بقاع العالم، وهو سلوك ذاتي لا رقيب عليه إلا الله، والرقابة الذاتية أقوى من جميع القوانين.
والإرادة تعني أن يمتلك الإنسان زمام نفسه ولا يكون أسيراً لميوله المادية ورغباته، فالطعام موجود وكذلك الشراب لكنه يمتنع بمحض إرادته. وفي رمضان نتعلم الكرم والجود والبذل والعطاء والأمانة. أ . د / مفيدة إبراهيم على