**عذرًا !! – الجزء الخامس OOPS !! 5 **
** بقلم: أحلام رحاليّ **
**مراجعة: تامر إدريس**
استسلمت أخيرا لفضول ذلك الطارق اللبق لأبواب قلبها الرقيق وآثرت أن تفرج عن سرها الحبيس وتبوح بألمها الدفين علَّها تستريح بفضل ذلك المتنفس البسيط. حكاية وإن بدت عفوية متوقعة تقليدية عادية للبعض إلا أنها في نظر آخرين تجسيدا حيًّا للمأساة بكل تفاصيلها.
حياة ضبابية ظلامية تراجيدية بحتة تبعث على التأمل وتستجلب التعاطف من الجميع؛ فهي على حد وصفها مغناطيس جاذب للهموم والأحزان من كل اتجاه ومرمى لسهام الضيق والكرب على الدوام.
لا يعرف النوم لجفنها طريقا إلا برهة لالتقاط الأنفاس يمنحها وقتا مستقطعا وسط تضافر كل تلك الهموم والغموم وفيض الأوجاع والآلام حتى أضحت تروي وسادتها كل ليلة من قطر دموعها الغدق بالشكاية والحنين. وجه شاحب وجسد هزيل وبصر شارف نوره على الانطفاء عمَّا قريب.
سكتت لوهلة ثم أجهشت بعبارات مغلفة بالأنين قائلة: “أردته فقط أن يصونني، أن يغيثني من تكالب الدنيا ومتاعبها، أن أهرب مني إليه، ما رجوته إلا الحب والاحتواء، أرى الدنيا في ظلِّه واقعا معاشا يتسم بالجمال والحنان في كل تفصيلة، أستشعر الراحة في بيته وفي كنف أهله، يمنحني الفرصة لتكوين أسرتي الصغيرة الخاصة بي، أن أرزق بأطفال منه يمنحوني الأمل، فقط أن يشعرني بالحياة”.
تنهيدة عميقة ترسلها في الأجواء كطفقة وجع وزفرة ألم ثم تتابع بصوت باكٍ: “لكنه تكاتف مع الدنيا عليَّ؛ اسودَّت الدنيا في عينيه عندما علم بحملي. لا يحب الأطفال؛ هكذا أخبرني. يضطرب عند سماع مفردة (طفل).
في إحدى الليالي الحالكة التعسة افتعل شجارًا ما لبث أن تفاقم الوضع بسببه بيننا حتى أن الجيران توافدت على منزلنا لتخفف من حدة هذا الوضع المضطرب في بيتنا.
لم أشعر بنفسي إذ سقطت كالجثة الهامدة حينها لأفتح عيني من جديد على مشهد يجمعني به والعائلة في إحدى المستشفيات والطبيب يخبرني بكل أسى وأسف أني قد فقدت جنيني بسبب تلك السقطة وأني قد نجوت من الموت بأعجوبة.
يقف فوق رأسي بوجه عابس وملامح جافة فلا حركة ولا حتى ذرفة دمع مصطنعة. انزويت بعد تلك التجربة المريرة في عالم الصمت والعزلة حيث لا مزيد من تلقي الصدمات ولا بث للشكايات ولا انهمار للدموع”.
لم ترد سوى الراحة والنجاة من شرِّ الناس وأن تلمم جراحها وحدها في منأى عن كل متربص بها. تربت على قلبها المكلوم بفعل تلك التجارب القاسية. لا تتقبل وجود أشخاص جدد بحياتها. ترفض الحديث مع أي أحد.
تتخذ وضعية الدفاع عن نفسها دوما متى ما حاول أحدهم فتح حوار ولو بدا بسيطا معها إذ تراه مصدر تهديد ويشكل خطرا على صفائها واستقرار روحها. لم يعد فؤادها مؤهلا لمزيد من التسامح.
لا مزيد من التجارب. عزمت على البقاء ضمن حدود دائرتها الضيقة تلك التي دشنتها لتسعها هي وبضعة أشخاص تثق فيهم بالإضافة إلى أولئك الأطفال الصغار أو الملائكة كما تسميهم هي فقط. قررت العيش مع هؤلاء الذين يمنحونها الحب والاهتمام والبهجة بصدق وبلا مقابل.
ثم أردفت قائلة: “لم أعد أعرف مساري. لا أدري ماذا أقول؟، لا أطيق نصحًا من أحد، لا أتقبل اللوم ولا أستسيغ العتاب، فقط أود أن أعيش كما أريد”. علق على كلامها بقوله: “لا بأس، هذا حقك”.
سيدتي؛ هل لي بطلب صغير منك؟!؛ “ماذا؟، تفضل”. “مذ عرفتك ولم يقدر لي اللقاء بك إلا هذه اللحظة؛ والحمد لله أني وفقت لهذا الخير معك، ولكن عندي رجاء شخصي منك أرجو أن تحققيه لي؛ هل من الممكن أن تعيدي لمحياك البريء تلك البسمة المشرقة المشعة والتي تسطع في الوجود بالحياة والأمل؟!”. سأحاول سيدي.
تمر الأيام، تكثر اللقاءات، في أروقة الروضة، في الطريق، وعند اصطحابها لجنى صبيحة كل يوم. نعم صارت هي من شدة تعلقها بها ترافقها كل يوم ذهابا وإيابا من وإلى الروضة في جو من الفرح والسرور والمتعة.
وكريم تبتهج عيناه كلما رأى قرة عينيه جنى الحبيبة تسير بصحبة حبه العذري المتأجج سميرة تغدوان وتروحان عن طريق الترامواي بينما هو جالس في زاويته المعتادة بالمقهى يحتسي قهوته المرة بشكل مطرد…
فهل سيفعل القدر فعلته من جديد؟!؛ ربما !!…