“أحفاد أبي لهب يعودون… هل نرتدّ إلى الجاهلية؟“
بقلم: محمود سعيد برغش
في زمنٍ اختلطت فيه القيم، وضاعت فيه البوصلة، خرج علينا من يدّعون التنوير وهم يغمسون الناس في ظلام الجهل والرذيلة. وجوه جديدة بأقنعة زائفة، تسير على خُطى أبي لهب، الذي حارب الإسلام وصدّ عن سبيل الله، بل هم أخطر منه، لأنهم يلبسون الباطل ثوب الحق، ويسمّون الفجور “حرية”، والغناء الفاحش “فنًا”، والرقص الماجن “ثقافة”، ويسوقون ذلك كله تحت مظلة التطور والانفتاح.
إن من يتأمل ما يُبث في الإعلام، وما يُنشر على مواقع التواصل، وما يُقام من مهرجانات ومسابقات، لا يملك إلا أن يسترجع قوله تعالى:
“إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَـٰحِشَةُ فِى ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْـَٔاخِرَةِ ۚ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” [النور: 19].
إننا لا نرفض الفن النظيف ولا الإبداع الهادف، ولكننا نرفض أن يُتخذ الفن وسيلةً لهدم القيم وتطبيع الفاحشة. نرفض أن تُختزل الحضارة في ثوب راقصة أو كلمات مغنٍ تافه، بينما تُغيب العقول، وتُحارب القيم، ويُسخر الدين، ويُسفه العلماء.
لقد انتصر الإسلام في بدر على صناديد قريش، ولكن المعركة لم تنتهِ. فاليوم يعود أحفاد أبي لهب بأدواتهم الناعمة، وبخطابهم المسموم، ليردونا إلى جاهليةٍ أخرى، جاهلية الشهوات والانحلال، لا جاهلية الأوثان فقط.
البلاد التي خرج منها الفرسان الأوائل، يحملون راية الإسلام، ويفتحون البلاد، وينشرون العدل والتوحيد، ويهزمون أعظم دولتين في العالم آنذاك — الروم والفرس — يعود فيها اليوم من يجرّ الأمة إلى الوراء، ويعيدها إلى الضلال، وكأن ما بُذل من دماء وتضحيات، وما أُقيم من حضارة، كان هباءً.
لكن الحق باقٍ، والباطل زائل، والقرآن باقٍ يتلوه المؤمنون، والآذان يعلو في المساجد، والخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة.
“يُرِيدُونَ لِيُطْفِـُٔوا۟ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ” [الصف: 8].
فيا أبناء الأمة… لا تخدعكم الزينة الكاذبة، واثبتوا على الحق، وتمسكوا بدينكم، وكونوا جنودًا للفضيلة في وجه من يريد إشاعة الرذيلة. لا تجعلوا من المنكر عادة، ولا تسكتوا عن الباطل باسم الفن أو الانفتاح.
فالجاهلية الجديدة أخطر من الأولى، لأنها ترتدي ثوب المدنية… لكن خلفها نارٌ مستعرة