أخلاق.. في مترو الأنفاق
بقلم الاعلامى احمد نورالدين
مترو الأنفاق، واحد من أهم المرافق المواصلاتية الحيوية في بلادنا، ولما لا، وهو أول خط مترو يتم تسييره وبدء تشغيله في مرحلته الأولى بمصر والوطن العربي وأفريقيا فى السابع والعشرين من سبتمبر عام ١٩٨٧، في عهد الرئيس الأسبق مبارك، والآن يتم العمل في مراحله المختلفة، لتصل الى ست مراحل تربط القاهرة بأماكن نائية صعبة، لم يكن يخطر على بال أحد منا أن تصل اليه تسهيلا على المواطنين في ذهابهم وإيابهم، في تنمية حقيقية فاعلة شاملة لمصرنا الحبيبة، يرصدها الدانى والقاصى بعين يقينه.
وبحكم استقلالى له لعملى ذهابا وإيابا يوميا، أستطيع أن أؤكد أن مترو الأنفاق يعد وراكبيه بحق، ديوان رصد مجتمعى، حياتى، أخلاقى، معيشى، سياسى، اقتصادى لهم جميعا، وما عليك قارئى الحبيب إلا أن تجلس- مشاهدا ومستمعا- فيه راصدا أحوال وأنماط مستقليه، متفحصا سلوكياتهم وأخلاقهم، وصمتهم، وسكونهم، وتحدثهم، وانفعالاتهم، ومستوى حالتهم الاجتماعية من خلال ملابسهم، وأفعالهم، وغيرها.
حكايات وحكايات، ممكن لأى قاص موهوب أن يكتب من خلالها العديد من الروايات والقصص التي تنفع زادا، ورصيدا فنيا، اجتماعيا، حقيقيا، يعرض كأفلام بالسينما ومسلسلات تليفزيونية و إذاعية، ويستطيع كل منا أن يراها رأى العين والحقيقة مثل رصد حكايات ومساجلات الكرة بين رواد مترو الانفاق من مشجعى الأهلى والزمالك، والحديث في تحليل الحالة المجتمعية اقتصاديا، وكيف أن غلاء ونار الأسعار يكوى المواطن البسيط، والترحم على أسعار السلع والمنتجات قديما، أيام جدى وجدك، ثم الخوض في أحاديث السياسة ، بين مؤيد لسياسات الحكومة برئاسة رئيس وزرائها ووزرائه، ومعارض بالكلية لأدائها ويطلب تغييرها جملة واحدة .
عطفا على الأشكال والأنواع المختلفة من القصص والروايات التي يخرج بها علينا المتسولون من الرجال، والنساء، والأطفال، والمرضى، والأصحاء، ذهابا وإيابا بعربات المترو، خاصة المرحلة الأول (حلوان -المرج)، ناهيك عن الباعة الجائلين بداخله، في نوم عميق وتقصير لافت للنظر من شرطة المترو ومشرفيه، الذين تركوه مشاعا لهؤلاء، يشوهون منظره الحضارى، والقيَّمى، محولينه لسوق الجمعة، بل قل لكل الأسواق الشعبية الأخرى الكبيرة المنتشرة في بقاع الجمهورية المختلفة.
ثم الطامة والمصيبة الكبرى التي يلاحظها جميع رواد ومستقلى مترو الأنفاق، وأعنى بها الكارثة الأخلاقية، والتدنى السلوكى، والخُلقى، والخَلقى للكثير من شبابنا وفتياتنا وأولادنا، مثل مظاهر ملبسهم، المتمثل في بناطيلهم المهلهلة، الممزقة من على أرجلهم، المتسخة، والتي يسمونها الآن موضة “البناطيل الديرتى”، في مظاهر سلوكية لم نعهدها في شبابنا وبناتنا قديما، وحتى وقت قريب، ناهيك عن التحدث والضحك بصوت عال مبالغ فيه، والهزار والسخرية من بعضهم البعض بألفاظ نابية تارة، وأخرى خارجة تخدش حياء الجالسين، في تحد سافر لأخلاقنا وقيمنا وتقاليدنا وأعرافنا المصرية الشرقية الأصيلة، وعدم احترام الكبير.
إضافة لسلوك يغيظنى ويؤلمنى نفسيا ، وهو أن أرى رجلا كبيرا في السن، أو امرأة عجوز تقف أمام شباب يجلسون، فيصطنعون النوم، أو التحدث مع بعضهم لعدم رؤيتهم ، ولا يقومون فيجلسونهم احتراما واجلالا لكبر سنهم وشيبتهم وعجزهم ، بل يقوم لهم أناس من كبار السن – يعرفون العيب- أيضا ليجلسونهم ، ناهيك عن جلوس الأطفال بجوار آبائهم وأمهاتهم ، ولا يقولون لهم: قم وأجلس هذا الرجل الكبير، أو تلك المرأة العجوز، جنبا إلى جلوس هؤلاء الأطفال بأحذيتهم موضع جلوس الركاب فيتسخ المكان، في عمى وصمم ولامبالاة من آبائهم وأمهاتهم، ولا يقولون لهم هذا عيب وخطأ، أو يقومون بتنظيف ما اتسخ من أطفالهم .
من الأخلاق الذميمة والسلوكيات البغيضة أيضا التي باتت منتشرة داخل مترو الأنفاق -المرحلة الأولى-، وفى غفلة تامة وتقصير مقيت أيضا لشرطة المترو، ما يقوم به بعض الصبية داخل أرصفة المحطات من سكب ماء ملوث على الركاب من شبابيك المترو، أو البصق عليهم، بمجرد ان يتم إقفال الأبواب متحركا للمحطة التالية، وهذا الفعل المشين رأيته أمامى وبنفسى متكررا أكثر من مرة، أو ان يضربك صبى أو فتاة على يدك بعد تحرك المترو.
فأين شرطة المترو ورجالها ؟، ولو كان الأمر بيدى لأقلت المسئول عنها لإخفاقه وعجزه عن إيجاد منظر حضارى، مهذب، أخلاقى، يتوشح به هذا المرفق المهم الحيوى، الذى يرتاده جنسيات أخرى عديدة، نراها معنا داخل عربات المترو، وليس المصريون فحسب، فيأخذون حضارتنا وسمتنا الخُلقى من تلك الصور الكريهة البغيضة المتدنية، فعلا وقولا وسلوكا وسمتا، من أناس يحسبون علينا للأسف.
الكثير منا عزى نفسه بعد ارتفاع سعر تذكرة المترو ، بأن المظهر السلوكى، والنظافى، وصورة وحال ومآل المترو بخدماته سوف يتغير جذريا، ونرى تفعيلا حقيقيا لشرطة المترو ومفتشيه، في عملية تجميل، تستأصل ذلك الوجه القبيح الذى يعيش به المترو الآن، وعودة لما كان عليه وقت الإدارة الفرنسية له في بدء أولى مراحل إنشائه، منذ عام اثنين وثمانين وتسعمائة وألف، والتي يتحسر المواطنون عليها الآن.
للمرة المليون، وبعد أن بح صوتنا، مرارا وتكرارا، أطالب ومعى الآلاف من رواد المترو، بإقالة رئيس هيئة مترو الأنفاق، لإخفاقه في القيام بمهام وظيفته، ومسئوليته العملية في الحفاظ على الوجه المثالى المنظم للمترو، بمراحله المختلفة، وكذلك ندائى للسيد وزير الداخلية بإقالة المسئول الأول عن شرطة مترو الأنفاق، وكل شرطي لا يقوم بواجبه داخله، مصداقا لما يروى عن عمر -رضي الله عنه-: “إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، حيث الكثير منا لا يبالون ولا يؤمنون بقيم ومبادئ النظام والنظافة والأخلاق بديننا، لكن يزجرهم عقوبة السلطان.. والله من وراء القصد.