أفكار بصوت مرتفع
تحول الحوارات من حوارات بناءة إلى نقاشات عقيمة
زينب كاظم
رغم التسارع الشديد بعجلة التطور وتعدد تطبيقات الأنترنيت وتزايد ألأجهزة الذكية وتعدد قنوات التلفاز والأذاعة وتنوعها الا أنه وللأسف الشديد لا يوجد حوار حر ولا تقبل لأفكار وآراء الآخرين من قبل الكثير من الناس وخاصة في الأنترنيت ولربما ذلك يعود إلى غياب لغة الجسد ونبرة الصوت ونظرة العين مما يؤدي إلى أن يكون الحوار جاف جدا ويخلو من التواصل الحقيقي أما في القنوات التلفازية والإذاعية فإن الإنسان بطبيعته يسعى إلى أن يكون هو الصح وهو المسيطر أمام الناس برأيه لأن في مجتمعاتنا الشرقية يسعى الفرد إلى السيطرة وهذا الأمر بالنسبة له مسألة حياة أو موت إذ أن المسألة مسألة كرامة وكبرياء وليس مسألة حوار صحي راقي يهدف كل أطرافه للوصول لحل أو نتيجة مرضية لكل الأطراف وللمستمع أو المشاهد أو المتابع .
وكلما زادت حساسية الموضوع كلما زادت المهاترات والقذف والمسبة والشتيمة بل وتصل أحيانا إلى الضرب وكلنا شاهدنا ذلك في الكثير من المؤتمرات السياسية مثلا ،اذ أن أكثر الأمور حساسية هي السياسية منها والعقائدية الدينية كذلك وهنا نخصص الدينية منها إذ أنه كانوا يقولون (سابقا عيش وشوف )ولكن في وقتنا الحاضر نقول اطلع وانظر للعالم وتنوعه تتطور وتعرف لأن البشر بطبيعته عدو لما يجهل وخاصة نحن في زمن التواصل من خلال أجهزتنا الصغير التي هي نافذة على العالم بكل تأكيد لكن التطور الحقيقي هو السفر والأطلاع على ثقافات وديانات الناس ومعتقداتهم بذلك يكون الأنسان أكثر تفتحا لأنه لاحظنا ومع شديد الأسف هناك بعض الناس على الرغم من أنه تسبق أسماؤهم القاب مثلا الشاعر أو الكاتب أو الاستاذ أو الدكتور وهو بالحقيقة ماهو الا استاذا بالقذف والسب والمهاترات والإساءة للمقدسات إذن الشهادات ليست كل شيء ولا يدل على تفتح وثقافة الإنسان اطلاقا فالثقافة الحقيقية احترام الآخرين بكل توجهاتهم وانتماءاتهم والذي ينبع من احترام الانسان لذاته ويدل على أنه تربى في بيئة سوية فالأنسان المحمل بشوائب الماضي والطفولة السيئة كأنهم كانوا يصادرون رأيه أو يعنفونه أو يضربونه أو ربما تعرض للجوع والاقصاء والتفرقة بينه وبين أخوته أو زملاءه كل ذلك ينتج إنسانا شرسا مكروها متوحشا سليط اللسان مهما وصل بالعلم وليس فقط ادران الطفولة هي ما يؤثر بل في كل مرحلة من مراحل حياته لربما تعرض لما ذكرت وتكون النتيجة السلبية ذاتها.
لكن من مهازل القدر أن المهذب عندما لا يستطيع أن يجاري الناس المسيئة بنفس مستوى الفاظهم البذيئة لأنه لا يريد أن يتسخ معهم في المستنقع الذي هم فيه فينسحب فيعتقد المسيء أنه انتصر لكنه الحقائق غير ذلك تماما في الحقيقة أنه احتقر والكلام معه متعب وشاق ويوصل لنقطة مغلقة ومظلمة لا اكثر ولا أقل .
أن الحوار يجب أن يراعي فيه نقاط عدة مثل اختلاف البيئة واختلاف الوعي واختلاف السلوك واختلاف المعتقدات واختلاف الزوايا التي ينظر من خلالها الناس للأمور،لو روعيت تلك النقاط لما كان هناك نقاش عقيم وأساليب فظة بالتعامل والحوار ولما صار للمتهجمين والهمجيين مكان اذن صاحب الاسلوب الجارح هو انسان يشعر بنقص شديد مهما أخذ من شهادات تبقى شهادته الأولى والأخيرة نقص الأخلاق مع مرتبة القرف ،وهناك أمر مؤلم اخر ظهر في الآونة الأخيرة وهي تقديس رؤساء دول قتلة ومجرمين وهذا أن دل على شيء فهو يدل على عدم تماسك المجتمعات فرئيس الدولة يمثل طائفة أو فئة معينة فيندفع من ينتمي لتلك الطائفة أو الفئة إلى تقديسه فيظل يبطش أكثر وأكثر لأنه وجد من يصفق ويطبل له وهذا النوع يسمى( بالقطيع )ولو أننا لا نحبذ استخدام هذا المصطلح لأنه لا يليق بأدمية الأنسان الا أنه يعبر عن حقيقة موجعة فهم يتبعون هذا القائد وينقادون له ويطبقون أوامره بلا وعي فقط كيدا بالطائفة أو الفئة الأخرى وهذا وكما أشرنا يدل على تفكك المجتمعات وضعفها وعدم قدرتها على قول لا للمجرم .
ومن الأمور الأخرى المخزية هي النظرة الفوقية من قبل صاحب الفكرة لغيره من أصحاب الأفكار فيعتقد أنه اذكى من غيره ويفكر خارج الصندوق وفي الحقيقة أفكاره نشاز وغير صالحة للنشر والحوار وقد تكون أفكاره مستفزة ومنافية لمنهجية الكون أو تسيء للذات الإلهية مثلا وغيرها من الأفكار فلا يجوز أن تكون الأفكار كما ذكرت ثم يطلب صاحبها أن يحاوره المقابل بهدوء .
لكن خير الأفكار ما كانت موثقة بأدلة منطقية وموثوقة خاصة فيما يخص المواضيع الحساسة كالدين والعقيدة والسياسة وغيرها .
وكلنا ولا تستثني أحد نحتاج إلى سعة صدر وروح رياضية وقدرة على تقبل الأفكار والحوار الصادق بسبب بيئاتنا المنغلقة وغيرها من الأسباب الشخصية لكن الفرق بيننا هو التربية هناك من يكون متمسك بأراءه ويطرحها بحكمة وذوق وأدب وأسلوب راقي يراعي من خلاله مشاعر المقابل ومشاعر وذائقة مجتمعه وهناك الخبيث عديم الخلق والتربية والمتهجم وأن أخذ شهادات العالم كله .
إذن هذه أسباب تحول الحوار من حوارات بناءة إلى مجرد نقاش جدا عقيم وتراشق بالألفاظ والمهاترات والجدل الذي لا فائدة ترجى منه ولا ترجى منه نتيجة مرضية .
نسأل الله الموفقية لنا وللجميع .