أهمية تسامح الاديان في مواجهة الفكر المتطرف
بقلم الدكتور القس إبراهيم زكريا
أن العالم اليوم يواجه تحديات كبيرة: صراعات، كراهية، عنف، واستقطاب فكري وديني. في قلب هذه الأزمات، يبرز
التسامح ليس كفضيلة فردية فقط، بل كضرورة إنسانية وحضارية للبقاء.
التسامح في المسيحية ليس مجرد سلوك أخلاقي، بل هو انعكاس لجوهر رسالة الإنجيل القائمة على المحبة والغفران.
الأساس اللاهوتي للتسامح في المسيحية
– تعاليم المسيح: “أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم” (متى 5: 44).
هنا التسامح ليس مجرد ترك الغضب، بل الانتقال إلى المحبة الفاعلة تجاه الآخر المختلف أو حتى المعادي.
– التسامح والإنسانية
1. البعد الفلسفي
الفيلسوف بول ريكور: “التسامح ليس ضعفًا، بل قوة تُعيد للآخر إنسانيته”. التسامح يفتح مجالًا للحرية المشتركة، حيث لا ينفي أحد وجود الآخر.
2. البعد النفسي
علم النفس الحديث يثبت أن الغفران يحرر الإنسان من مرارة الماضي، ويقلل من التوتر والاضطرابات النفسية. التسامح فعل شفاء داخلي قبل أن يكون هبة للآخر.
معوقات التسامح
1. الذاكرة الجريحة: الإساءة العميقة قد تظل حاضرة في اللاوعي الجمعي والشخصي
2. ثقافة الانتقام: مجتمعاتنا كثيرًا ما تُمجّد القوة والرد بالمثل.
3. التوظيف السياسي للدين: حين يُستغل الدين لتبرير الصراعات بدلًا من أن يكون قوة للسلام.
آليات عملية لتعزيز التسامح
1. التربية على التسامح: بدءًا من الأسرة والمدرسة والكنيسة والمسجد.
2. الحوار بين الأديان: لقاءات صادقة بين القادة الدينيين تخلق مساحات ثقة ونماذج إيجابية للشعوب.
3. العدالة التصالحية: ليست فقط العقاب، بل إعادة بناء العلاقات (مثل تجربة جنوب أفريقيا مع نيلسون مانديلا).
4. الشهادة الحية: أن يرى الناس رجال الدين يعيشون الغفران في حياتهم، لا بالكلام فقط.
رؤية مسيحية – إنسانية
التسامح ليس ضعفًا بل بطولة روحية. وليس تنازلًا عن الحق، بل طريقة لحمايته دون عنف.
هو جسر بين الأديان والثقافات، يقود من الصراع إلى الشراكة، ومن الكراهية إلى المحبة.
نحن مدعوون أن نكون صوتًا للتسامح في عالم يمزقه العنف. أن المسيح دعا أتباعه ليكونوا “نور العالم” و”ملح الأرض” – ودورنا أن نُضيء بعمل الغفران والمحبة. أن التسامح هو لغة المستقبل التي وحدها قادرة أن تحفظ إنسانيتنا المشتركة.
الدكتور القس إبراهيم زكريا
دكتوراه الصحة النفسية, رئيس لجنة حقوق الانسان بحزب حمأة الوطن بالإسكندرية, رئيس قسم الدكتوراه في المشورة في الزواج والاسرة بكلية الرجاء الدولية للاهوت, رئيس مجمع الدلتا الانجيلي سابقاً.