“الأبواب الوهمية في مصر القديمة”
بقلم / جيهان سيد محمد علي
يُعد باب الأبدية أو الباب الوهمي كما يطلق عليه الأثريون بوابة أو جسرًا من عالم الأحياء إلى عالم الموتى ضمن معتقدات المصري القديم، وهو تقليد لباب يوجد في المقابر القديمة والمعابد الجنائزية، فهو تجسيد لفكرة السيمترية عند المصري القديم، ألا وهي افتراض وجود كون آخر عبارة عن صورة مرآة معكوسة من الكون الذي نحيا فيه، وعندما يموت الإنسان ينتقل بين الكونين، فكل جانب من الباب هو صورة مرآة معكوسة من الجانب الآخر، بمعنى أن روح المتوفى يمكنها العبور من هذه البوابة وتخرج لتستقبل القرابين. لذلك، عادةً ما يتم وضع مائدة قرابين أمام هذا الباب. كما قال عالم المصريات كيرتيس ريان وودسايد، بحسب صحيفة “ديلي إكسبريس” البريطانية، أن ربما يعود الغرض من هذه الأبواب بجانب مرور الروح هو تضليل اللصوص وحماية المقبرة من السرقة.
ويُقال إن هذا الباب لم يكن فقط مدخلاً للروح بل مدخلاً خاصًا لجزء من روح الإنسان يُعرف بـ”الكا”، وهي الروح التي تعود إلى العالم الأرضي لتتغذى على القرابين الروحية، ولذلك كان الباب الوهمي حلقة وصل ضرورية بين المتوفى وأحبائه الأحياء.
يعتقد البعض أن بدايات ظهور الباب الوهمي منذ العصور المبكرة، حيث تم العثور على مستطيلات متفاوتة الاتساع والعمق في بعض الجدران، ثم تم استخدامه لأول مرة في المصاطب في الأسرة الثالثة، وفي المقابر من الأسرة الرابعة للسادسة.
عادة ما كان يُوضع في الجدار الغربي من حجرة الدفن، وكان يصنع من الحجر الجيري أو الجرانيت الوردي، وأحيانًا من الأخشاب مثل مقبرة حسي رع، وتضاءل استخدامه بعد فترة الانتقال الأول، وتم استبداله بالشواهد، ثم أصبح بشكل أبسط في الدولة الحديثة. ولم يكن اختيار الجدار الغربي عشوائيًا، بل كان الغرب هو جهة الغروب، وجهة الموت في معتقد المصري القديم، فكان هذا الموضع مثاليًا لوضع بوابة تُشرف على عالم الأبدية.
كان الباب الوهمي في باديء الأمر خاليًا من النقوش، ثم كُتب عليه اسم المتوفى، ثم نُقشت عليه صلوات دينية وأدعية للمتوفى، حتى رُسم عليه المتوفى وزوجته وبعض أفراد أسرته، خاصة الابن الأكبر الذي يقدم القرابين لوالده، وفي النهاية رُسم المتوفى وأمامه عدة قرابين التي ستتحول لطعام حقيقي بعد إلقاء بعض التعاويذ عليها، ويطلق على الباب الوهمي في الحضارة المصرية القديمة “r-pr”.
وكان تصميمه يشبه تصميم واجهة القصر، فيحتوي على لوحة طويلة وضيقة تمثل المدخل الفعلي، وفوقها هناك قالب نصف أسطواني يشبه الذي نغلق به الباب الحقيقي، وتم وضع اللوحة والقالب داخل إطار مستطيل، وأحيانًا تعلوه لوحة مستطيلة مزينة بصورة المتوفى جالسًا أمام مائدة القرابين، وتتخذ القرابين شكل “حتب”.
ومع مرور الزمن، ظهر تطور واضح في فنون صناعة هذا الباب، سواء في النقش أو في الزخرفة، وأحيانًا وُجد أكثر من باب وهمي داخل المقبرة الواحدة، خاصة في مقابر كبار الموظفين، بحيث يُخصص باب لكل فرد في الأسرة. كما أن الباب الوهمي كان يُعد عنصرًا معماريًا فنيًا يضفي هيبة وروحانية على جدار الدفن، ويعبر عن مكانة المتوفى في الحياة وبعد الموت.
وفي فترات لاحقة، وبخاصة بعد فترة الانتقال الأولى، بدأ يظهر ما يسمى بالشواهد الجنائزية التي كانت تؤدي دورًا شبيهًا ولكن بشكل أبسط وأقل رمزية، فقد تضاءل استخدام الأبواب الوهمية تدريجيًّا، ومع الدولة الحديثة أصبحت مجرد لوحات نقشية دون البنية المجسمة المعروفة.
ولم يكن الباب الوهمي مجرد عنصر معماري أو تفصيلة زخرفية في جدار مقبرة، بل كان رمزًا حيًّا لعقيدة كاملة، بوابة صامتة تنطق بإيمان المصري القديم بالحياة الأخرى، واحتفاظه بأمله في اللقاء والخلود. كان بابًا لا يُفتح، لكنه يفتح الأفق لروح المتوفى لتتصل بأحبائها، بابًا لا يؤدي إلى ممر، بل يؤدي إلى الأبدية.
_ جيهان سيد