بقلم / منى عبد العزيز “
على الرغم من كل ما يتمتع به عصرنا من تكنولوجيا وتقدم إلا أنه يبدو أن الإنسانية صارت مشوشة وقوانين الطبيعة فقدت تأثيرها بل وتلاشت وسط سلوكيات ضد الفطرة ؛ ولعل حادث موت طفل رضيع هو الدافع لكتابة هذا المقال بعد ذلك الكم الهائل من تبادل الاتهامات بين الزوجين التي تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي. وها نحن أمام متابعة لمأساة جديدة من خلال إعلام لحظي ينتقل بنا إلى تفاصيل دقيقة ومباشرة بخاصية “البث المباشر ‘ لكل ما أجرته الصحف من لقاءات مع جيران الزوجين ووالدة الأب جدة الطفل المتوفي ثم انتقال الكاميرا إلى منزل عائلة الأم. الجميع ممن تابعوا كانوا في حالة دهشة بالغة وهم يطرحون الاسئلة في مرارة وأسى ..بداية من سؤال كيف استطاعت هذه الأم أن تجازف بأمومتها إلى حد القيام بفعل سيبعدها عن طفلها؟ الم يحن صدرها وتلك جملة شائعة في فترة الرضاعة ؟.أما الغريب في الأمر فهو تلك الأقوال المتعددة والمتناقضة تماما مما دفعني الى القول في حسرة « كان الله في عون القاضي » ونحن نقف أمام فريقين في حرب أشبه بحروب العصابات بين أصحاب أعصاب مشتعلة لم يطفئها موت طفل رضيع او بالاصح حديث الولادة وكأن لا أحد يدرك حجم الكارثة التي كشف تبادل للاتهامات حولها عن خلل في قيم كثيرة لا تخص فقط الزوجين بل طالت جميع من حولهم .
من الواضح أن الطفل تحول قبل موته الى ورقة ضغط لعبت بها الأم وما أبشع أن نحول فلذات أكبادنا الى كروت للمقامرة فنخسر ما لا يمكن تعويضه بكنوز الدنيا‘ ومن الواضح أيضا وجود مشاكل كثيرة تتعلق بالنفقة والعلاقة المالية بين الزوجين .
ان الخلافات الأسرية تتشابه كثيرا في ملامحها ‘ التي تعبر عنها بوضوح اقوال وانفعالات الفرق المتناحرة والمنقسمة في كثير من الزيجات والضحايا أنفسهم ملائكة لم تمكنهم براءتهم من حماية ارواحهم او مستقبلهم ‘ .
لقد اختلت الفطرة وعجزت نصوص القانون عن التدخل قبل فوات الأوان ‘ ولم يتبق للجهات الرسمية سوى التحقيق وسط أكاذيب كثيرة ربما لا تصل بنا الى العدالة الحقيقية والتمكن من عقاب الجاني ‘ وإن كنت أرى أن الجميع مسؤول..بدءا من
الأم وبعدها الأب الذي ضربها أو خاصمها او تأخر في الاطمئنان عن طفله ثم الجد والجدة أهل الام الذين تناسوا انه حتى ان وصلت الابنة مضروبة فقد كان مفروضا عليهم ألا يتقبلا ان تنام بعيدا عن حضن الرضيع ليلة واحدة.
وباختصار فإن الجميع قد ساهم في موت برعم جميل لم يكن له أن ينبت وسط هذا الخراب العائلي وعلاقات النسب المتوترة والمشوهة ‘ وكأن جيل العقل والحكمة قد ولى وانقضى.
ولعل الكثيرون منا لايزال يذكر اشخاصا شاهدوهم في طفولتهم يقومون بمهمة الصلح الذي يطفئون به حرائق الخلافات الزوجية بالحوار والنصح والارشاد والكلمة الطيبة التي وصفها الله عز وجل بأن أصلها ثابت وفرعها في السماء ؛ فأين نحن اليوم تعاليم من الدين ومبادئ العرف.
ويدفعنا المشهد البشع الى طرح سؤال :أين المشرع من كل ما يحدث ليستجيب الى حاجة الاطفال والرضع الى حماية اكثر جدوى من توقيع الجزاء على الام او الاب او الاثنين معا حماية وقائية تنظم بها العلاقة الزوجية من خلال قانون أحوال شخصية يتناسب مع أنماط سلوك امهات و اباء واجداد اليوم ممن أفقدتهم ظروف العصر فطرة الأمومة ومناهج الأخلاق وطاعة العرف .
” قانونية وكاتبة صحفية
