الدين النصيحة
بقلم : كرم حجازي
باحث في مقارنة الاديان
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلي اله وصحبه ومن اتبع هديه واستن بسنته الي يوم الدين . وبعد…ان الاسلام دين النصح والنصيحه والارشاد والوعي والاخذ الي الخير والنفع للجميع وحب الخير للناس كافه قال تعالي ((أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ)) الاعراف ايه68 عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ، أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ، قَالُوا : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : ِللهِ ، وَلِكِتَابِهِ ، وَلِنَبِيِّهِ ، وَلأَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَامَّتِهِمْ.- وفي رواية : إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قَالُوا : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : ِللهِ ، وَلِكِتَابِهِ ، وَلِرَسُولِهِ ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ.)
اهتم الإسلام اهتماما كبيرا بالنصيحة , ووضع لها آداباً وأخلاقاً حتى تؤتي ثمارها و تبلغ مراميها و تحقق أهدافها , فالنصيحة لها هدفها و دورها في حماية المجتمع المسلم , قال تعالى في محكم كتابه الكريم: { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } (آل عمران:104).
وفي هذا الحديث الشريف جعل النبي صلى الله عليه وسلم الدين كله في النصيحة , قال ابن حجر في الفتح :\” هذَا الْحَدِيث مِنْ الْأَحَادِيث الَّتِي قِيلَ فِيهَا إِنَّهَا أَحَد أَرْبَاع الدِّين ، وَمِمَّنْ عَدَّهُ فِيهَا الْإِمَام مُحَمَّد بْن أَسْلَمَ الطُّوسِيُّ ابن حجر : الفتح 1/89. وَقَالَ النَّوَوِيّ : بَلْ هُوَ وَحْده مُحَصِّل لِغَرَضِ الدِّين كُلّه ؛ لِأَنَّهُ مُنْحَصِر فِي الْأُمُور الَّتِي ذَكَرَهَا ,وقال \” هَذَا حَدِيث عَظِيم الشَّأْن وَعَلَيْهِ مَدَار الْإِسْلَام \” النووي
قال ابن حجر :\” فَالنَّصِيحَة لِلَّهِ وَصْفهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْل ، وَالْخُضُوع لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، وَالرَّغْبَة فِي مَحَابِّهِ بِفِعْلِ طَاعَته وَالرَّهْبَة مِنْ مَسَاخِطِهِ بِتَرْكِ مَعْصِيَته ، وَالْجِهَاد فِي رَدّ الْعَاصِينَ إِلَيْهِ . وَرَوَى الثَّوْرِيّ عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رُفَيْع عَنْ أَبِي ثُمَامَة صَاحِب عَلِيٍّ قَالَ : قَالَ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام : يَا رُوح اللَّه مَنْ النَّاصِح لِلَّهِ ؟ قَالَ : الَّذِي يُقَدِّم حَقّ اللَّه عَلَى حَقّ النَّاس . وَالنَّصِيحَة لِكِتَابِ اللَّه تَعَلُّمه ، وَتَعْلِيمه ، وَإِقَامَة حُرُوفه فِي التِّلَاوَة ، وَتَحْرِيرهَا فِي الْكِتَابَة ، وَتَفَهُّم مَعَانِيه ، وَحِفْظ حُدُوده ، وَالْعَمَل بِمَا فِيهِ ، وَذَبّ تَحْرِيف الْمُبْطِلِينَ عَنْهُ . وَالنَّصِيحَة لِرَسُولِهِ تَعْظِيمه ، وَنَصْره حَيًّا وَمَيِّتًا ، وَإِحْيَاء سُنَّته بِتَعَلُّمِهَا وَتَعْلِيمهَا ، وَالِاقْتِدَاء بِهِ فِي أَقْوَاله وَأَفْعَاله ، وَمَحَبَّته وَمَحَبَّة أَتْبَاعه . وَالنَّصِيحَة لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِعَانَتهمْ عَلَى م َا حَمَلُوا الْقِيَام بِهِ ، وَتَنْبِيههمْ عِنْد الْغَفْلَة ، وَسَدّ خُلَّتهمْ عِنْد الْهَفْوَة ، وَجَمْع الْكَلِمَة عَلَيْهِمْ ، وَرَدّ الْقُلُوب النَّافِرَة إِلَيْهِمْ ، وَمِنْ أَعْظَم نَصِيحَتهمْ دَفْعهمْ عَنْ الظُّلْم بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن . وَمِنْ جُمْلَة أَئِمَّة الْمُسْلِمِينَ أَئِمَّة الِاجْتِهَاد ، وَتَقَع النَّصِيحَة لَهُمْ بِبَثِّ عُلُومهمْ ، وَنَشْر مَنَاقِبهمْ ، وَتَحْسِين الظَّنّ بِهِمْ . وَالنَّصِيحَة لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ الشَّفَقَة عَلَيْهِمْ ، وَالسَّعْي فِيمَا يَعُود نَفْعه عَلَيْهِمْ ، وَتَعْلِيمهمْ مَا يَنْفَعهُمْ ، وَكَفّ وُجُوه الْأَذَى عَنْهُمْ ، وَأَنْ يُحِبّ لَهُمْ مَا يُحِبّ لِنَفْسِهِ ، وَيَكْرَه لَهُمْ مَا يَكْرَه لِنَفْسِهِ .
لذا لقد ضرب أنبياء الله ورسله الكرام النموذج الأعلى والأسمى في نصيحة قومهم ودعوتهم بالحسنى إلى منهج الله , قال نوح لقومه: \” أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ \” الأعراف:62، وكذلك قال هود لعاد: وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ\” الأعراف:68، وكذلك قال صالح لثمود: \” أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ\” الأعراف79..
وترك التناصح بين الناسب سبب لنزل العذاب عليهم , قال صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده، لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده، ثم لتدعنَّه فلا يستجيب لكم ) رواه أحمد .
عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: يا أيها الناس: إنكم تقرؤون هذه الآية، وتتأولونها على غير تأويلها: { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب ) فالنصيحة دعامة من دعامات الإسلام. قال تعالى: {والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} سورة العصر.
وهي من أوليات حق المسلم على أخيه المسلم, قال صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم ست).قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: (إذا لقيتَه فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبْه، وإذا استنصحك فانصحْ له، وإذا عطس فحمد فشمِّته، وإذا مرض فَعُدْه (فزُرْه) وإذا مات فاتبعه (أي سِرْ في جنازته) مسلم.
اداب وشروط النصيحة :
1- أن تكون خالصة لوجه الله عزوجل وهدفها إرضاء الله و حده .
الناصح لا بد أن يكون مخلصا لله تعالى في النصح بحيث لا يكون قصده الرياء ولا السمعة ولا لتحقيق غرض دنيوي ولا لإظهار تميز الناصح.
فالنصيحة ثقيلة على القلوب ولن تتقبلها إلا إذا خرجت من قلب طاهر نقي , لأن ما خرج من القلب يدخل مباشرة إلى القلب , والله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له وحده .
مر أبو الدرداء رضي الله عنه يوما على رجل قد أصاب ذنبا ، والناس يسبونه ،فنهاهم وقال : ( أرأيتم لو وجدتموه في حفرة ألم تكونوا مخرجيه منها..؟ قالوا : بلى قال رضي الله عنه : فلا تسبوه إذا ، وحمدوا الله الذي عافاكم قالوا : أنبغضه..؟قال رضي الله عنه : إنما أبغضوا عمله ، فإذا تركه فهو أخي\”
2- لا تنصح بناء على شبهة أو ظن لم تتثبت منه .
المسلم يحسن الظن بإخوانه, ولا يأخذهم بالشبهة , قال تعالى :)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ( الحجرات6 , ولا يشتعل بعيوبهم عن عيبه قال تعالى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (الحجرات : 12 .
يقول ابن كثير : \” يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة وال تخوين للأهل والأقارب والناس في غير محله؛ لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثير منه احتياطا، وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه قال: (ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرا، وأنت تجد لها في الخير محملا ) قالت بنت عبد الله بن مطيع لزوجها طلحة بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم وكان طلحة أجود قريش في زمانه قالت: \” ما رأيت قوما ألأم من إخوانك، قال لها: مه مه! ولم ذلك؟ قالت: أراهم إذا أيسرت لزموك، وإذا أعسرت تركوك، فقال لها: هذا والله من كرم أخلاقهم، يأتوننا في حال قدرتنا على إكرامهم، ويتركوننا في حال عجزنا عن القيام بحقهم، فانظر كيف تأول طلحة صنيع إخوانه معه، وهو ظاهر القبح والغدر بأن اعتبره وفاء وكرما النصيحة ليس معناها التجريح أو الفضيحة، ولقد كان الرسول – صلي الله عليه و سلم- يفضل الأسلوب غير المباشر في النصح فيقول : \” ما بال أقوام يفعلون كذا و كذا \” فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:\’ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ\’ رواه البخاري والنسائي وأبوداود
3-الإسرار بالنصيحة وعدم التشهير والحرص على الستر
فالنصيحة أمام الناس توبيخ وتقريع لا يقبله الناس، وكان عمر رضي الله عنه يقول على المنبر \” رحم الله مَن أهدى إليَّ عيوبي\”انظر: سنن الدارمي (1/166) .
يُحكى أن الحسن والحسين مرَّا على شيخ يتوضأ ولا يحسن الوضوء. فاتفقا على أن ينصحا الرجل ويعلماه كيف يتوضأ، ووقفا بجواره، وقالا له: يا عم، انظر أَيُّنا حسن وضوءًا. ثم توضأ كل منهما فإذا بالرجل يرى أنهما يحسنان الوضوء، فعلم أنه هو الذي لا يحسنه، فشكرهما على ما قدماه له من نُصح دون تجريح.
قال الشافعي:( مَن وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وخانه )
5- الحكمة والموعظة الحسنة واللين.
أمرنا الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة والنصح فقال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} النحل: 125. وقال : {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199]، وقال تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}.[فصلت: 34].
روى البخاري في صحيحه، قالت: استأذن رهط من اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا (أي للنبي): السام عليك. فقلت: بل عليكم السام واللعنة، فقال: يا عائشة: \”إن الله يحب الرفق في الأمر كله. قلت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: قلت: وعليكم\” فهؤلاء اليهود من سوء أدبهم وسوء طويتهم لووا ألسنتهم، وحرفوا الكلم، فبدل أن يقولوا: السلام عليك، قالوا: السام ـ أي الموت والهلاك ـ ولكن الرسول الكريم من حسن أدبه، وعظمة خلقه، لم يرد أن يجعل من ذلك معركة، بل رد بهذه الكلمة النبيلة قائلاً: \”وعليكم\”. أي أن الموت مكتوب على كل البشر، علينا وعليكم. ثم علم عائشة هذا الأدب الرفيع أدب الرفق في التعامل، حين قال لها: \”يا عائشة! إن الله رفيق، يحب الرفق في الأمر كله\” .
آداب خاصة بالمنصوح منها:
1- عدم التكبر في قبول النصيحة.
قيل: تقبل النصيحة بأي وجه، وأدِّها على أحسن وجه. قال له رجل مرة: اتق الله يا ابن الخطاب. فضاق بعض الحاضرين بهذا، فقال عمر: دعوه، والله لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نسمعها.
2- عدم الإصرار على الباطل.
فالرجوع إلى الحق فضيلة والتمسك بالباطل رذيلة، والمسلم يحذر أن يكون ممن قال الله -تعالى- فيهم: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} البقرة: 206.والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل .
ولقد وصف الله عباده المؤمنين حينما يقعون في الخطأ أنهم يستغفرون الله، فأثابهم الله جزاء ذلك جنات تجري تحتها الأنهار؛ فقال سبحانه: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ \”آل عمران 135 – 136 .
3- أخذ النصح من المسلم العاقل.
إن من شيم العاقل عند النائبة تَنُوبه: أن يشاور عاقلاً ناصحاً ذا رأي ثم يطيعه، وليعترف للحق عند المشورة، ولا يتمادى في الباطل بل يقبل الحق ممن جاء به، ولا يحقر الرأي الجليل إذا أتاه به الرجل الحقير، لأن اللؤلؤة الخطيرة لا يشينها قلة خطر غائصها الذي استخرجها، ثم ليستخر الله، وليمض فيما أشار عليه.
ومشاورة العاقل وأخذ النصح منه من شيم العقلاء لأنه يفيده بعقله وحكمته، كما أن المسلم يتجنب نصح الجاهل أو الفاسق؛ لأنه يضره من حيث لا يحتسب.
4- التطبيق العملي للنصيحة .
لا بد للمنصوح أن يأخذ بالنصيحة ويحولها إلى واقع عملي , وسلوك تطبيقي , ينعكس أثره في حياته وعلى تصرفاته .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ؛أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ في يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَالَ يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا في يَدِهِ فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ. قَالَ لاَ وَاللَّهِ لاَ آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وحينما نزل تحريم الخمر كان أنس بن مالك- رضي الله عنه-يسقى القوم خمرًا في منزل أبى طلحة – رضى الله عنه-، فقال أبو طلحة لأنس: اخرج فانظر ما هذا الصوت؟فخرج أنس فوجد المنادى يقول: ألا إن الخمر حُرِّمَت.فدخل أنس وأخبر القوم، فترك أبو طلحة ما بيده، وأمر أنسًا أن يسكب ما عنده من الخمر، فسكبها أنس، وكذلك فعل كل من كان عنده خمر، فملأت الخمر طرق المدينة.
عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ ، قَالَ : \” الْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ ، فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلَّا ارْتَحَلَ \”
5- شكر الناصح.
حثنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقدم كلمة الشكر لمن صنع إلينا معروفًا؛ فنقول له: جزاك الله خيرًا. قال الله صلى الله عليه وسلم: (من صُنِع إليه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا، فقد أَبْلَغَ في الثناء) [الترمذي والنسائي].
فيجب على المنصوح أن يقدم الشكر لمن نصحه، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.فعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يشكر اللهَ من لا يشكر الناس)
قيل في معناه: إن الله لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبدُ لا يشكر إحسانَ الناس ويكفر أمرَهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر.
وقيل: إن مَن كانت عادته وطبعه كفرانَ نعمةِ الناسِ وترك شكره لهم كان من عادته كفرُ نعمة الله -عز وجل- وترك الشكر له.
فما عليك – أيها الحبيب – إلا أن تجاهد في تطبيق أدب النصيحة , حتى نكون خير أمة أخرجت للناس , فنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر , على هدي من الله وإحسان .
اللهم اجعلنا من اللذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه , واجعلنا هداة مهدين , وجنبنا الزلل في القوة والعمل. وصل الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي اله وصحبه اجمعين والحمد لله رب العالمين.