حدثنا احد الأصدقاء قائلا:- كُتب عَليَّ يوما أن أكون مراجعا لإحدى الدوائر بقصد انجاز معاملة خاصة وخلال سير المعاملة في طريقها الطويل المتموج والمتعرج تَصادَف أن تعثرت بالعديد من المعرقلات والمطبات المقصودة وغير المقصودة وبالتأكيد فأن المقصودة هي الأكثر وفي إحدى مراحل المسيرة الجبارة والمظفرة لتلك المعاملة العتيدة وبالطبع بعد شهور من المتابعة حرجمت ( توقفت) بشكل اضطرني إلى مراجعة المسؤول الأول في تلك الدائرة الذي لا اعر ف أهو السيد المدير العام أو مدير عادي واغلب الظن انه ليس عاما وعند باب مكتبه الفخم تجلس فتاة أنيقة جميلة زاهية الملبس سبحان من أبدع في جمال خلقها وصورها ناهيك عن ما أضافته إلى ذلك الإبداع من مقبلات الجمال الصناعية وهي متربعة على عرشها البلقيسي المتمثل بكرسي متحرك دوار وخلف مكتب فاخر تحيط به من كل جانب وصوب تحف ومزهريات منها المعلقة ومنها الموضوعة على المكتب وفي الزوايا إضافة إلى كل ما تتطلبه مستلزمات الحياة من تكييف وخدم وحشم وكذلك كلامها الذي لا يمكن تجاوزه حتى من قبل مديرها المباشر وعند اقترابي منها بخوف وتردد للسؤال عن إمكانية رؤية ذلك المدير رفعت عينها تجاهي بتجاهل وأومأت لي بيدها بإشارة فهمت منها إنها تستفسر عن سبب حضوري إلى مكتب مديرها فأجبتها برغبتي في مقابلة السيد المدير لعرض مشكلتي الخاصة بمعاملتي فأجابتني بإيماءة بنصف عدد أصابع يدها ( إصبعين فقط) بعدم إمكانية ذلك وحاولت معرفة الأسباب لكن الإجابة كانت دائما بنفس الطريقة رغم إلحاحي أو إصراري دون جدوى فخرجت ساحبا خيبة أملي الكبيرة مضطرا للعودة غدا .
تلك كانت قصة صاحبنا وهنا يتبادل السؤال الذي لابد منه .. ترى لماذا كل هذه العنجهية والتسلط من قبل هذه السكرتيرة وغيرها من مديرات مكاتب السادة المدراء والمسؤولين عموما ومن اعطاها هذا الحق في اتخاذ القرارات الهامة بدلا عن مديرها او مسؤولها وان كان مسؤولها هو من اعطاها هذه الصلاحيات المطلقة فلماذا وهب كل تلك الثقة الكبيرة لهذه السكرتيرة التي لا تتعدى في حقيقة امرها وامر موقعها اكثر من انها حاجب عند باب السيد المسؤول وتنظم جدول اعماله ومواعيده فهل هذا يبرر له منحها كل تلك القوة والصلافة ام انها من الاقرباء مما يجعله كثير الثقة بها ام ان ورائها ظهرا قويا تستند عليه ويمكنه الاستفادة من ذلك الظهر كلما منحها صلاحيات اكبر ام هو سحر النساء وجمالهن الذَين يؤثران احيانا كثيرة على ارادة وعقول السادة المسؤولين والاغلب ان السببين الاخيرين اي الظهر القوي والجمال الساحر هما الدافعان الاقوى لمنح تلك الثقة وكل تلك الصلاحيات مما يجعلها تتصرف مع الموظفين والمراجعين على حد سواء في ان تقرب هذا وتبعد ذاك وترحب بهذه وتستفز الاخرى حسب قربها او بعدها منهم اجتماعيا ووظيفيا واحيانا والعياذ بالله دينيا او طائفيا او عرقيا او حزبيا مما يؤدي الى عرقلة عمل الدائرة المعنية وربما تعطيل مصالح المراجعين من الناس.
وبالتأكيد هذه حالة عامة منتشرة ليس في بلدنا فحسب وانما في كل بلدان العالم حتى المتقدم منها ولكن بدرجات متفاوتة وكل حسب ثقافته وحصانته وتركيبته الاجتماعية ولكن ما يهمنا ما نراه من تفاقم وتعاظم لدور تلك السكرتيرات بشكل غير طبيعي بل بصورة حاكمة في مكتب مسؤولها ودائرته لذا فالتثقيف بالاتجاه الذي يصحح هذا المسار الخاطئ الذي يسير بالعمل الاداري الى الاتجاه المعاكس لما يسير اليه هذا العمل في بلدان العالم الاخرى ويعيد للمدير او المسؤول دوره بعيدا عن التأثيرات الجانبية من المحسوبيات والعلاقات الاجتماعية والخاصة اصبح ضرورة لا بد منها لإعادة اعمار هذا الجانب من جوانب العمل المتنوعة في بلدنا والتي اتعبها مثل هذا السلوك وغيره من السلوكيات السلبية التي صارت تسيء الى البلد وسمعته اضافة الى تأثيراته على جميع قطاعات العمل في اي بلد .