الشرق الأوسط يشتعل… ومصر تقرأ المشهد قبل أن يُكتب
بقلم: علاء إبراهيم
منذ ما يزيد عن شهرين، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية سلسلة من المفاوضات غير المعلنة مع إيران في كل من سلطنة عُمان وإيطاليا، في محاولة لتفكيك التوتر المتصاعد في المنطقة. ولكن فجأة، خرج الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب ليصرّح بأن “إيران لن تواصل طريق التفاوض”، تصريح يبدو للوهلة الأولى سياسيًا، لكنه في جوهره كان بمثابة الإشارة الرسمية لانطلاق تصعيد جديد وممنهج.
في اليوم التالي مباشرة، شنت إسرائيل ضربات عنيفة على العمق الإيراني، استهدفت مواقع نووية وعسكرية شديدة الحساسية، وأسقطت خلالها عددًا من القيادات العسكرية والعلماء المرتبطين بالبرنامج النووي الإيراني. إيران لم تنتظر طويلًا، وردت بضربات موجعة طالت أهدافًا حيوية داخل إسرائيل، ومنذ ذلك الحين والمنطقة بأكملها تعيش في ظل حالة حرب غير معلنة، تتبادل فيها القوى ضربات مركزة دون إعلان رسمي للحرب.
ولكن ما أثار التساؤلات هو توقيت دخول بريطانيا إلى المشهد، حينما أعلنت عن تحرك أسطولها البحري في مياه الخليج. وبمجرد هذا التحرك، شهدت الساحة الإيرانية سلسلة غارات إسرائيلية متزامنة طالت منشآت نووية ونفطية، وفي ذات الوقت تم استهداف رئيس أركان جماعة الحوثي في اليمن. هذا التصعيد المتوازي كشف عن وجود تنسيق عسكري واستخباراتي واسع بين تل أبيب ولندن، وفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة: ما الغرض الحقيقي من هذا التحرك البريطاني؟ وهل نحن بصدد رسم خريطة صراع جديدة؟
وسط هذا المشهد المحتدم، حاولت قوى إقليمية زجّ مصر في المعادلة عبر قافلة أُطلقت تحت مسمى “قافلة الصمود”، والتي تحركت نحو معبر رفح في توقيت بالغ الحساسية، وكأن الهدف منها افتعال اشتباك على الحدود الشرقية لمصر بما يؤدي إلى تدخل مباشر من القوات المصرية. لكن مصر، بسيادتها الكاملة ورؤيتها الاستراتيجية العميقة، قرأت المشهد بدقة، وأدركت الأبعاد الحقيقية للمخطط، وأفشلته في مهده دون أن تنجرّ لمستنقع الدم.
اللافت في هذا التوقيت أن كافة التحركات العدائية تجاه مصر تصب في اتجاه واحد: اختراق السيادة أو اختبار الصبر. فالمحاولات تكررت من البحر الأحمر والحدود الليبية والسودانية، وكلها باءت بالفشل، بعدما اصطدمت بجدار مصري متين يقوده جهاز أمني واعٍ، وجيش قوي لا يغفل لحظة.
أما على الصعيد الدولي، فالمراقب لما يحدث يدرك تمامًا أن الحرب العالمية الثالثة لم تنفجر في أوكرانيا كما أراد صناع القرار في الغرب، وإنما بدأت تتشكل في منطقتنا. الشرق الأوسط أصبح ميدانًا مفتوحًا لاختبار الإرادات، واستعراض القدرات، ومصر في قلب هذه المعادلة، لكنها ترفض أن تكون طرفًا في صراع لا يخدم مصالحها، وتؤكد في كل مرة أن أمنها القومي لا يُساوَم، وأن قرارها الوطني ينبع من القاهرة فقط.
أخيرًا، ورغم محاولات شيطنة المواقف المصرية وتشويه دورها في الإقليم، إلا أن القيادة السياسية أثبتت قدرتها على إدارة الأزمات الكبرى قدّمت نموذجًا فريدًا للثبات والرفض الواضح للضغوط الدولية، سواء فيما يخص القضية الفلسطينية أو التهجير القسري أو التدخلات الأجنبية. يكفي أنه أول رئيس عربي قال “لا” في وجه التهديدات، ورفض مقابلة رؤساء دول حين اقتضى الموقف ذلك، ليُثبت أن مصر دولة تُبنى على الكرامة والسيادة لا على الأوامر والإملاءات.
إن ما يحدث اليوم في المنطقة هو فصل جديد من صراع الهيمنة، لكن مصر لن تكون ساحة لتصفية الحسابات، ولن تسمح بتكرار سيناريوهات الفوضى، لأنها ببساطة دولة تمتلك إرادة، وجيشًا، وقيادة لا تهتز.
تحيا مصر بكل ما تحمله الكلمة من معنى.