الفلك… بين الحقيقة والرفض: حين يتحدث الكون بلغة لا يسمعها الجميع
بقلم الباحثة الفلكية أ/سحر حسن منصور
و
خبيرة الأسترولوجي أ/ فاطمة صابونجو
الفلك… بين الحقيقة والرفض: حين يتحدث الكون بلغة لا يسمعها الجميع
في زمن يقدّس المادّة وينكر ما لا يُلمس، يقف علم الفلك بين الإيمان والعلم في موضعٍ حساس.
البعض يراه طريقًا إلى الغيب المحرّم، وآخرون يرونه علمًا عظيمًا يكشف عن دقّة الخلق الإلهي.
لكن الحقيقة، كما هي دائمًا، لا تقف عند طرفٍ واحد — بل تسكن في العمق، حيث يلتقي العقل مع الروح، والمنطق مع الإيمان.
أولًا: الفلك ليس خرافة… بل لغة كونية علمية
قبل أن نحكم، علينا أن نفهم.
الفلك ليس خرافة ولا سحرًا، بل أقدم علم عرفه الإنسان.
من خلاله عرف الإنسان مواسم الزراعة، ومواعيد المدّ والجزر، وطرق الملاحة في البحر والصحراء.
النجوم كانت أول خارطة في تاريخ البشرية، والكواكب كانت ولا تزال ساعات الكون التي تضبط إيقاع الحياة.
العلماء الفلكيون اليوم يستخدمون معادلات رياضية وفيزياء دقيقة لحساب مواقع الكواكب، وكل هذا لا علاقة له بالغيب أو التنبؤ.
السماء كتاب مفتوح بلغة الرموز، ومن يقرأها لا يدّعي علم الغيب، بل يفك شيفرة النظام الكوني الذي أبدعه الله بدقة مذهلة.
ثانيًا: إنكار الفلك لا يلغي أثره
سواء آمنت بالفلك أم لا، لن يتوقف القمر عن التأثير في المدّ والجزر.
ولن تتوقف الشمس عن التأثير في مزاجك، ولا حركة الأرض عن تحديد دورتك البيولوجية.
كل شيء في هذا الكون متصل ببعضه، وهذه ليست فلسفة شعرية بل حقيقة فيزيائية.
جاذبية القمر تُحرّك المحيطات، والمجالات المغناطيسية للكواكب تؤثر على مناخ الأرض، والإشعاعات الشمسية تغيّر في الطاقة والمزاج.
فهل يُعقل أن كل هذه القوى تؤثر في الصخور والمياه فقط… ولا تمس الإنسان الذي خُلق من نفس عناصر الكون؟
الإنسان ليس غريبًا عن السماء، بل جزء منها.
نحن مكوَّنون من نفس الذرات التي خُلقت منها النجوم.
إذن حين نقول إن حركة الكواكب تؤثر على طاقتنا، فنحن لا نتكلم عن “سحر” أو “غيب”، بل عن تفاعل طبيعي بين المايكروكوزم (الإنسان) والماكروكوزم (الكون).
ثالثًا: الدين لا يرفض العلم… بل يدعو إليه
يخطئ من يظن أن الإيمان والعلم على طرفي نقيض.
في الحقيقة، كل آية في السماء هي دعوة للتأمل والتفكّر، لا للإنكار والخوف.
الله لم يخلق النجوم عبثًا، بل قال في كتابه:
وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر.
فإذا كان الاهتداء بها في الطريق محمودًا، فكيف لا يكون التفكر في حركتها وسرّ نظامها كذلك؟
علماء المسلمين الأوائل كـالبتّاني والفرغاني والبيروني لم يفصلوا بين الإيمان والعلم، بل رأوا في الفلك وسيلة لفهم حكمة الله في خلقه.
الفلك لا يدّعي الغيب، بل يكشف عن الانسجام بين الأرض والسماء الذي أبدعه الخالق بحكمة.
رابعًا: الفلك مرآة للإنسان لا حاكم عليه
التنجيم الواعي لا يقول إن الكواكب “تتحكم” في مصيرك، بل تعكس حالتك الداخلية.
السماء مرآة، وما تراه فيها انعكاس لما فيك.
الكواكب لا تفرض عليك شيئًا، بل تكشف الاتجاهات الطاقية التي تساعدك على فهم نفسك، قراراتك، وتحدياتك.
تمامًا كما يقرأ الطبيب تحاليلك ليعرف حالتك الجسدية، يقرأ الفلكي حركتك الطاقية ليفهم حالتك النفسية والروحية.
هي قراءة للرموز، لا للغيب.
وعي، لا عرافة.
في الختام:
إنكار الفلك لا يُلغي وجوده، تمامًا كما أن إنكار الجاذبية لا يجعل الأشياء تطفو في الهواء.
الفلك ليس ضد الدين، ولا ضد العقل، بل هو جسر بينهما.
هو لغة الكون التي لم تعد تُفهم إلا لمن يصغي بقلبه وعقله معًا.
فحين نرفع أعيننا إلى السماء، نحن لا نبحث عن الغيب…
نحن فقط نحاول أن نتذكر من أين جئنا، وإلى أي نظامٍ كونيٍّ ننتمي.



































































