القصة كاملة
بقلم: عمر الشريف
سيدنا يوسف بن يعقوب وُلد في العراق، وفي طريق العودة من العراق إلى فلسطين ماتت أمه راحيل وهو ما زال طفلاً صغيراً، وصبا في فلسطين ونُقل كبضاعه مزجاة، وعاش ومات في مصر.
سورة يوسف نُزلت في السنة العاشرة من الرسالة “عام الحزن” هي السورة الوحيدة في القرآن الكريم التي تقص قصة كاملة بكل لقطاتها.
لذلك قال الله تعالى “أحْسنَ القَصَص” فهي تبدأ بحلم، وتنتهي بتفسير هذا الحلم، ومن العجيب أن قميص يوسف اُستُخدم كأداة براءة لإخوته، فدلّ على خيانتهم، ثم أُستُخدم كأداة براءة بعد ذلك ليوسف نفسه مع إمرأة العزيز، فبرَّأه، ثم أُستخدم للبشارة، فأعاد الله تعالى به بصر والده يعقوب.
نلاحظ أن معاني القصة متجسِّدة، وكأننا نراها بالصوت والصورة، وهي من أجمل القصص التي يمكن أن نقرأها ومن أبدع ما نتأثر به، لكنها لم تجيء في القرآن الكريم
لمجرد رواية القصص، فكأن هدفها جاء في آخر سطر من السورة وهو:
(إنَّهُ مَن يتَّقِ ويَصبر، فإنَّ اللهَ لا يُضيعُ أجرَ المُحسِنين).
فمحور القصة الأساسي هو:
– نثق في تدبير الله.
– نصبر.
– لا نيأَس.
الملاحظ أن السورة تمشي بوتيرة عجيبة، فائدتها أن الشيء الجميل قد تكون نهايته سيئة، وأن الشيء السيئ قد تكون نهايته جميلة، يا سبحان الله! فيوسف أبوه يحبه، وهو شيء جميل، فتكون نتيجة هذا الحب بأن يُلقيه في غيابات الجب، شيء مروع !
وشيء مشين أيضاً أن يكون يوسف خادم صغير في بيت عزيز مصر، فتكون نتيجته أن يُكرَم في بيت العزيز ! شيء رائع !
ومن بعد هذة الروعة تكون نهايته أن يدخل يوسف السجن! شيءٌ بَشِع ! فتكون نتيجته أن يصبح يوسف عزيز مصر!
الهدف من ذلك:
أن تنتبه أيها المؤمن، إلى أن تسيير الكون شيءٌ فوق مستوى إدراكك،
فلا تشغل نفسك به ودعه لخالقه يسيِّره كما يشاء، وفق عِلمه وحِكمته، فإذا رأيت أحداثاً تُصيبُك بالإحباط ولم تفهم الحكمة منها، فلا تيأس ولا تتذمَّر، بل ثِق في تدبير الله، فهو مالك هذا المُلك وهو خير مُدبِّر للأمور.
كما يفيد ذلك: أن الإنسان لا يجب أن يفرح بشيء قد يكون ظاهره رحمة لكنه يحمل في طياته العذاب أو العكس، فيوسف الإنسان الذي واجه حياة شديدة الصعوبة
منذ طفولته ولكنه نجح، ليقول لنا:
إن يوسف لم يأتِ بمعجزات، بل كان إنساناً عادياً ولكنه اتَّقى الله فنجح!
هي أكثر السور التي تحدَّثت عن اليأس، قال الله تعالى:
“فلمَّا استَيأسوا منهُ خَلَصوا نَجِيَّا” (الآية ٨٠).
“ولا تيأسوا مِن رَوحِ الله إنَّهُ لا ييأسُ مِن رَوحِ الله إلا القومُ الكافِرون” (الآية ٨٧).
“حتى إذا استيأس الرسلُ وظَنُّوا أنَّهُم قد كُذِبوا جاءَهُم نَصرُنا” (الآية ١١٠).
وكأنها تقول لنا: إن اللهَ قادر على كل شيء فلِمَ اليأس؟!
إن يوسف رغم كل ظروفه الصعبة، لم ييأس ولم يفقد الرجاء، فهي قصة نجاح في الدنيا والآخرة.
في الدنيا: حين استطاع بفضل الله ثم بحكمته في التعامل مع المَلِك، أن يُصبح عزيز مصر.
في الآخرة: حين تصدَّى لامرأة العزيز ورفض الفاحشة ونجح.
لقد نزلت هذه السورة في عام الحزن على رسول الله صلى الله عليه و سلم، في أشد أوقات الضيق بوفاة زوجته السيدة خديجة وعمه أبو طالب.
هذه السورة كما قال العلماء:
“ما قرأها محزون إلا سُرِّي عنه” أهداها الله لنبيه في عام الحزن ليسري عنه ويفرحه، فلنقرأها في حزننا لتنشرح صدورنا ونستقوي بربنا فيتولى أمرنا.
تولى الله أمر يوسف، فأحوج القافلة في الصحراء للماء، ليخرجه من غيابات الجب، ثم أحوج عزيز مصر للأولاد ليتبناه، ثم أحوج الملك لتفسير الرؤيا ليخرجه من السجن، ثم أحوج مصر كلها للطعام ليصبح عزيز مصر.
إذا تولى الله أمرنا هيأ لنا كل أسباب السعادة ونحن لا نشعر، فقط قولو بصدق:”وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ” فقط نفوّض أمورنا لله في كل شيء، في همنا، في صحتنا، في احتياجاتنا المالية، ولنتق الله، ونتأكد أن الله معنا طالما نحن موفين الله حقه.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.


































































