الكاتبة والاديبة
زينب مدكور عبدالعزيز
“وهم السيطرة”
في حياتنا كلنا بنقابل أشخاص فاكرين إن الشطارة إنهم يفرضوا رأيهم على غيرهم. تلاقي واحد في وسط أهله عايش بفكرة إنه الكبير اللي لازم يتحكم، أو صاحب بيشوف إن كلمته هي اللي تمشي حتى لو مش صح، أو زميل في الشغل معتبر إن المنصب معناه إن كل الناس لازم تسمع وتنفذ من غير مناقشة. الحقيقة إن النوعية دي من الناس دايمًا بتخسر أكتر ما بتكسب، وبيفقدوا أهم حاجة ممكن الإنسان يمتلكها: حب واحترام الناس.
القوة مش إنك ترفع صوتك وتتحكم، القوة إنك تقدر تكسب قلوب اللي حواليك باحترامك ليهم، وتخليهم بنفسهم يميلوا إنهم يسمعوا كلامك من غير ما تفرض. يمكن الكلمة اللي تنقال بود وابتسامة تعمل أثر أكبر من ميت قرار بالقوة.
شوف كده في العيلة. ساعات بنلاقي أخ أو أب أو أم، شايف إن دوره إنه يفرض سيطرته، يقرر كل حاجة صغيرة وكبيرة. يعمل حساب إن “الكبير كبير بكلمته”، بس ما بيحسبش إن القلوب بتتعب من السيطرة الزيادة، وإن الحب اللي بينه وبين أهله ممكن يقل. كم واحد من الناس فقد القرب من ولاده أو إخواته لمجرد إنه كان شايف إن السيطرة هي الحل؟! وفي النهاية، يلاقي نفسه وحيد حتى لو الكل حواليه.
ونفس القصة بين الصحاب. تلاقي صديق دايمًا عايز يكون هو القائد، هو اللي كلامه ما يتردش، ولو حد قال رأي مختلف يزعل ويخاصم. هو فاكر إن دي هيبة، لكن الحقيقة إن الصحوبية بتبقى راحة ومودة وتشارك، مش مسابقة مين يسيطر على التاني. كم صداقة اتكسرت لأن واحد منهم حب يفرض رأيه طول الوقت؟ وكم صديق لقى نفسه وحيد لأنه نسي إن القلوب ما بتتملكش بالقوة؟
الأمثلة حوالينا كتير. افتكر مثل شعبي بيقول: “اللي عايز العسل ما يكسرش خلية النحل.” المعنى إنك لو عايز تكسب الناس وتعيش معاهم بحب، ما ينفعش تفرض نفسك عليهم بالقوة. ولو رجعنا للحكمة القديمة: “من تواضع لله رفعه.”، هنلاقي إن أعظم مكانة ممكن يوصلها الإنسان مش جاية من السيطرة، لكن من التواضع وكسب الناس.
الحياة مش ساحة حرب، ومش معركة كل واحد يثبت فيها مين الأقوى. الحياة أكبر وأجمل من كده. لما الأهل يتكاتفوا مع بعض، ولما الصحاب يتعاملوا مع بعض بود وتفاهم، ولما الشغل يبقى مبني على التعاون، هنا بنشوف النجاح الحقيقي. طول ما في احترام، طول ما في مشاركة، وطول ما الكل إيد واحدة، ساعتها بس بنتقدم.
خليني أديك مثل من الواقع: فيه مدير كان كل همه يفرض رأيه، أي فكرة يطرحها حد من الموظفين كان يرفضها بحجة إنه “الأكتر خبرة”. النتيجة؟ الفريق فقد الحماس، والإبداع مات، والشركة نفسها بدأت تقع. وفي المقابل، فيه مدير تاني كان بيسمع لكل صوت، ويشجع حتى الأفكار الصغيرة. مع الوقت، فريقه كان أقوى، والشركة حققت نجاحات غير متوقعة. هنا الفرق واضح: الأول كان بيدور على السيطرة، والتاني كان بيدور على النجاح الجماعي.
نفس الفكرة تنطبق على العيلة. فيه أب بيشوف إن فرض السيطرة هو اللي يخلي أولاده يسمعوا كلامه. لكن الحقيقة إن الولاد لما يكبروا بيبعدوا عنه. على العكس، الأب اللي بيسمع وبيشاركهم في الرأي، هو اللي بيكسب حبهم واحترامهم للأبد.
والصحاب برضه كده. الصديق اللي فاهم إن الصحوبية مشاركة، هو اللي صحبته بتطول. أما اللي عايز يكون “الزعيم” طول الوقت، فمع الأيام بيلاقي نفسه برا الدائرة.
نصيحتي لكل واحد لسه فاكر إن الشطارة في السيطرة: ارجع لنفسك واسأل، إيه اللي هتكسبه لو الناس حواليك بتسمع كلامك غصب عنها؟! وإيه اللي هتخسره لو القلوب بدأت تبعد؟ صدقني، الحب والدعم اللي جاي من رضا الناس عنك أهم ألف مرة من إنهم يسمعوا كلمتك وهم مضايقين.
لو الناس مسكت في إيد بعض، كل واحد يحترم التاني، ويسمعله، ويقدّر رأيه، ساعتها أي مجموعة، سواء أهل أو أصحاب أو حتى فريق عمل، هتبقى قوية وتحقق المستحيل. التفاهم هو اللي بيبني، والسيطرة العمياء هي اللي بتهد.
وفي الآخر، خليني أسيبك بكلمة صغيرة: “الهيبة مش في الصوت العالي ولا الكلمة النافذة… الهيبة الحقيقية في قلب الناس، في حبهم ليك واحترامهم ليك.”