بقلم د / حنان عبد القادر محمد
يعد الموهوب ثروةً وطنيةً، وكنزاً لأمته وعاملاً من عوامل نهضة مجتمعه في مجالات الحياة العلمية والمهنية والفنية، ومن ثم فإن استغلال قُدُرَاته استغلالاً فكرياً وتربوياً يُعَدّ ضَرورةً حَتمية. فالعقل قد يعيش في بيئة مخصبة للموهبة، فتتجلي قدراته الخلاقة وصروحه التفسيرية، وقد يعيش في بيئة معوقة للموهبة فتخبو إمكاناته وقدراته، ويستسلم للخرافة والأسطورة وأساليب التفكير اللاعقلاني. فالموهبة تأتي في إطار الإبداع، فكل مبدع موهوب في إنتاجه الإبداعي، والموهوبون والمتميزون في أغلب المجتمعات هم الذين تقوم على كواهلهم نهضتها، فهم عقولها المدبرة، وقلوبها الواعية، وواضعو الأهداف وراسمو خطط تحقيق تلك الأهداف، ومنهم يجب أن يكون القادة في مجالات الحياة المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والصناعية والسياسية والخدمية والتعليمية والتكنولوجية.
وهنا نتساءل عن القصد من الموهبة؟ وعن مدى ارتباط الموهبة بالإبداع؟ والإجابة تكون بأن ثمة إجماع بين المشتغلين بالإبداع، علي أن الموهبة قُدْرَة خاصة، تتحدد بتحدد مجالها، فقد تكون هذه اَلْقُدْرَة فنية، أو اجتماعية أو موسيقية أو تكنولوجية أو مكانية وما إلى ذلك. أما الإبداع فهو لا يتحقق إلا في إطار ثقافة مجتمع تُشَجِّع علي الإبداع وتحتضن اَلْمُبْدِعِينَ وتُتيح فرصًا خلاقة أمام المواهب للتعبير عن إمكاناتها الثرية والمتنوعة. ولتحسين البيئة الإبداعية للطالب الموهوب يجب توسيع مجالات مفهوم المواهب ليشمل كافة جوانب الحياة، وزيادة فرص تعليم الطلاب في كل مكان من أصحاب المواهب المتميزة.
فالموهوب هو من تفوق في قدرة أو أكثر من القدرات الخاصة. أو هو من وصل في أدائه إلى مستوى رفيع في مجال من المجالات غير الأكاديمية، كالفنون والألعاب الرياضية، والمجالات الحرفية أو المهارات الاجتماعية أو البرمجية التكنولوجية وغير ذلك من المجالات التي تعتبر بعيدة الصلة عن الذكاء وقياسه، وهنا لا بد من فصل الموهبة عن اختبارات الذكاء، فعلى سبيل المثال، الطفل الذي لديه عيوب في الحساب أو القراءة قد يكون متمتعا بمواهب موسيقية أو رياضية وذلك يرجع إلى أن الطالب الموهوب غالبا ما يتمتع بقدرات أداء عالية في أحد أو بعض المجالات الإبداعية.
أضف إلى ذلك أن إبداع الموهبة لا يتحقق إلا في سياق ثقافي اجتماعي يتخذ من التعليم قضية محورية في ثقافة المجتمع، ولا يمكن الفصل بين التعليم وكافة مجالات التنمية الشاملة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافيا وتكنولوجيا، لأن التعليم هو الذي يقدم إلى الأمة الكوادر القادرة على مواجهة متطلبات التنمية بكافة مجالاتها، ولعل في تجارب بعض المدارس بالدول المتقدمة ما ينهض دليلا على أن الاهتمام بالمبدعين والموهوبين هو أعظم استثمار في عالم الإنسان.
ويجب النظر إلى الطالب باعتباره كياناً عضوياً ونفسياً واجتماعياً واحداً، ومن ثم التركيز على تنميته بدنياً واجتماعياً وتكنولوجياً وحسياً وعاطفياً وجمالياً وخلقياً، بحيث تتفاعل هذه الجوانب بعضها مع بعض، والتركيز على أن التعليم يكون من خلال الفعل والعمل، ودور المعلم في ذلك التوجيه وتسهيل المعرفة، حيث تقوم هذه الفلسفة علي التعلم الذاتي فالطالب يكون لنفسه رؤية عن العالم وعن المجتمع الذي يعيش فيه، ويجب تدريبه منذ الصغر على ذلك وأيضاً تدريبه على تنمية الإحساس بالمشكلات وكيفية حلها، والحرص على إكسابه المهارات الاجتماعية التي تجعله يؤكد ذاته وإمكاناته.
والتكنولوجيا لها دور كبير جداً في تنمية الموهوبين في جميع التخصصات وخاصة إذا ما تحمل المتخصصين فيها المسئولية، فالتكنولوجيا اليوم من المؤكد أن تتوسع إلى أحلام تخيلاتنا في العقد المقبل. حتى أن رواد التكنولوجيا توقعوا أن العائلات ستمتلك يومًا ما روبوتات شخصية للترفيه عنا وتعليمنا في موضوعات مثل الرياضيات أو اللغات الأجنبية، وأن السيارات عالية السرعة ستقود نفسها على الطرق السريعة، وفقًا للوجهات التي نبرمجها في الكمبيوتر. فلم يعد الإنترنت وتقنيات الاتصال الأخرى تَرف؛ هم جزء من الحياة في القرن الحادي والعشرين. فيه المفيد وفيه الضار وهنا دور الأسرة والمدرسة والتي يجب أن تقوم بدور المرشد والمساعد في استخدام الطلاب للتكنولوجيا وتحديد المقدار المسموح به ونوع الألعاب المسموح بها. إذا سمح الآباء بالألعاب، فعليهم اختيار الألعاب المفيدة والتي تعزز التفاعل الصحي.
فالتكنولوجيا أصبحت بيئة تربوية للطلاب ومن ثم يصبح على واضعي المناهج والمسئولين والإعلام وجميع المسئولين أن يكونوا في خدمة قضايا التعليم وتكنولوجيا المعلومات من حيث نشر ثقافة الاستخدام الجيد للتكنولوجيا، فالطفل وخاصة الموهوب في عالم مشبع بالمعلومات. وبدلاً من حمايتهم من العالم الرقمي، فيجب زيادة ثقافتهم التكنولوجية للحفاظ على سلامتهم واستخدام الإنترنت بشكل مسؤول كأداة تعليمية عن طريق تعليمهم كيفية استخدام المرشحات الخاصة بهم. هذه ليست مهارة حياتية فقط، ولكنها مهارة مهمة للطلاب الأكبر سِنًّا عند البحث على وجه الخصوص، فيجب ام تكون لديهم القدرة على تعلم كيفية تحديد المصادر عبر الإنترنت التي يمكن الوثوق بها ولماذا. “فإذا لم نقم بتعليم الطلاب استخدام الويب كوسيلة لتعزيز التعلم وتعليمهم تكوين الأبحاث، فهذا تقصير في أداء الواجب سواء في المدرسة أو الأسرة”.
لقد تحول العالم على نطاق كبير، لكن التعليم بالكاد يتزحزح. كيف يمكنك دمج جميع تقنيات الإبداع التي يجب أن تقدمها للطالب الموهوب في خبراتك التعليمية، حتى لو كانت قدراتك التكنولوجية محدودة؟ كيف يمكن للأدوات عبر الإنترنت أن تساعد الطلاب وخاصة الطلاب الموهوبين على التواصل مع الآخرين للتعاون في المشاريع النافعة؟ كيف يمكن تمييز المحتوى الذي يتعلمه الطلاب بسهولة من خلال استخدام التكنولوجيا وكيف يمكن أيضًا تمييز المهام التي يُطلب من الطلاب إكمالها.
كيف يمكن لبرامج الرياضيات التكيفية أن تصبح أسهل أو أصعب بناءً على استجابات الطلاب أن تحل محل كتب الرياضيات المدرسية الثابتة وغير المستجيبة، على سبيل المثال. يمكن الآن مساعدة الموهوبين بالكتابة الذين اعتادوا كتابة أوراق بحثية لجمهور من شخص واحد (معلمهم) على تكوين جمهور كبير وحقيقي أثناء قيامهم بإنشاء مدونات فردية تعرض مواهبهم. في جميع المواد، كيف يمكن للتكنولوجيا أن تسمح للطلاب الذين يحققون أداءً أعلى بكثير من مستوى الصف الدراسي بالتقدم بأسرع ما يمكن، وكيف وكيف… هناك الكثير والكثير مما يجعلنا نستخدم التكنولوجيا استخدام أمثل ولكن لا يتم ذلك إلا بوضع المتخصص المناسب في المكان المناسب فالتخصص يفيد في تقدم أسرع وأعمق. وللحديث بقية