الوضع المغاربي الساخن وتحديات العصر الراهن
كتبت . الكاتبة المغربية جليلة خليفه مفتوح
متابعة د.عبدالله مباشر رومانيا
بعد مسيرة النماء وبريق التحدي داخل المغرب وخارجه سواء تنمويا على المستوى الوطني، وديبلوماسيا في مواجهة بلاء الوحدة في الجنوب والشمال. أو في تسيير ملف الوباء القابع فوق صدور الجميع، بلا أدنى نعرة قبلية أو إثنية وطائفية، ليس من الغرابة أن نلاحظ أو نصدم بتلاعب الايدي القذرة كالمعتاد وهي تحرك رماد الفتنة بين الاشقاء، وتشعل جمر الحدود الخامد الذي بإمكان عقلاء المنطقة تحويله إلى معدن إنساني نفيس. وطبعا عملاء الشر يطبقون على الرقاب، ونهم التقسيم لم ينجح في قضم الجنوب عبر عقود ومؤجل المفاوضات والنصر في ملف الجزر والثغور.
وأمام دق طبول الحرب من طرف أحادي، من الطبيعي ألا يقف الطرف المقابل مكتوف الأيدي. وأمام قطع العلاقات من طرف أحادي أيضا في وقت كنا فيه بانتظار فتح الحدود واحتضان الأشقاء والأصهار في الجانب الآخر، رغم التوتر السائد الذي طال وغلق الحدود البرية ذات ظرف طارئ توسع فيه الإرهاب منذ عقود نحو المنافذ جميعها.
فالتكتل من الناحية المنطقية يجب ان يكون جغرافيا منعا للنعرات، والاتحاد المغاربي مطلوب واجباري لاي تقدم متاح، وطلبا للقوة بالتضامن والوحدة الإنسانية أولا والاقتصادية ثانيا. لكن ثمنه الوحيد هو رفع يد الجوار عن قطيع الضباع البشرية، الذي علفوه طيلة عقود من اموال شعوبهم لصنع خنجر مسموم يزرع بلا تفكير عقلاني، في خاصرة البلد الشقيق والجار: البوليساريو. لأن الخنجر البشري الدموي لن يعود بخير على صانعه ولا على المطعون بواسطته، بل هو قنبلة إرهاب موقوتة وزومبي امتص سوائل الأشقاء عبر عقود، وابتلع العديد من طاقات المغرب الاقتصادية، ومن دماء بنيه وبناته دفاعا عن الحدود المنتزعة الجوانب أصلا إبان الاستعمار الغربي، وداخل مخيمات العار الشهيرة التي يعرفها اليوم القاصي والداني. ويستغلها، عملاء التقسيم بلا وازع من ضمير.
فمن يهدأ ويفكر ويتحدى، ثم يقرر من اجل الصالح العام؟
ومن يتعظ بما حدث من فواجع كارثية بكل المقاييس في دول شقيقة وجارة، ابتداء بلبنان والعراق وسوريا وليبيا بكل تاريخ أراضيهم العريقة، وأرض مصر الهائلة التكوين تاريخيا وحضاريا، والتي لازالت تقاوم بطاقات أبنائها المتنورين زحف الشتات على بوابة سيناء وأمام فزاعة الماء؟
بل وما حدث من قبل في فيتنام وفي البوسنة وأوكرانيا، وأفغانستان مؤخرا الذي فاقت دموية اللعبة فوق أراضيها فواجع فيتنام، وإن تشابه الملفان في المكر السياسي والدهاء الاقتصادي والاستهانة بالأبرياء.
لما يطيح العجل تكثر الجناوة (السكاكين) مثل مغربي ينطق بحال العرب كلما سقط أحد المحتمين براية القومية العربية او كاد، كل وسلاحه المقابل للآخر سواء كان عبارة عن دبابات وصواريخ، أو مجرد شعارات حماسية أو مهدئة. فمرة ايراني، وروسي، واخرى اسرائيلي، وامريكي أو أٍوروبي. فتعقد المؤتمرات والمجالس ويكثر الهجوم والدفاع، حسب الميول والأهواء والمصالح الظرفية. دون مراعاة لمصالح الشعوب المغلوبة على أمرها، والتي وحدها ستعاني من تبعات الدمار والخراب ودفع الثمن من أقواتها ودمائها. ومن يسقط في النهاية من المتضررين لا سور رحمة ستقرأ على جثمانه المتفرق شيعا، وسيؤكل عجلا أحمرا وأبيضا أو أسودا، وما أكثر العجول العاجزة عن الحوار والسائرة وراء برسيم مجهول الخبايا والمكونات السامة.
والمضحك المبكي الا مرة فكرت الغالبية العظمى ان العصر الذهبي اليوم ملك للتكتلات، من اجل تحقيق اقتصاد قوي يلم شمل جميع الأجناس المنتمية، إلى بقاع غير معترف بكيانها الإنساني والحضاري، في أعين الغرب المتعود منذ عصور على ركوب موج المطامع والمصالح والزعامة. وعلى النظرة الدونية اتجاه أقوام بعينها، قد يستحقونها في غالب الأحيان لما يظهرونه من تخلف الانقسام على الذات والآخرين، ومن عجز مخز عن تجاوز مخلفات الماضي اللعين بالعقول المتحجرة.
من حروب الغاز وحروب الماء إلى حروب الحدود، من المستفيد؟
فالمنطقة المغاربية خاصة والشمال إفريقية برمتها، قد تصبح من رياض الأرض إذا ما تآخى مسيروها، وأمسك العصاة منهم بالأيدي البيضاء الممدودة. درءا لزحف مد الشقاق والعداء الذي لن يفيض بخيراته، إلا على من يرسمون في الخفاء خرائطا خاصة، بمن يرونهم قصرا سياسيا واجتماعيا وغير مؤهلين بعد للوقوف إلى جانبهم. وحتى لا نصاب بفوبيا المؤامرة ونحمل الآخرين فقط خراب عقول بعضنا، وميلهم إلى العدائية المفرطة دون تفكير أو للحفاظ على مصالحهم الخاصة. فالأجدى أن ننظر بعين صافية إلى ما يحاك في الخفاء والعلن في عصر المعلومة السريعة، التي قد تحور فوق صفحات التواصل الاجتماعي حسب الأهواء المختلفة، وعلى حسب درجات المد والجزر بين التيارات المتناقضة الرؤى والتطبيق والأحكام. لكن تحتاج شعوبنا من الشرق إلى الغرب حكماء ودارسين، وليس إلى مجرد مسيرين خانعين داخل هيكل فرسان الاستعمار القدامى، الذين لا يتوقفون عن التناسل، خدمة لشره وحبكة الجنس الأسمى المبجل وحده بالتنوير.
الاخوة لا زالوا يتقاتلون في بقاع سقيقة، ورفاق الكفاح المغاربيين بالامس هم اليوم اعداء رغما عن الشعوب التواقة الى الكرامة الانسانية، وطبعا حسب اختلاف المطبلين والممولين الخونة قد تشتعل المنطقة، وتصب الفوضى في خلق رقع جغرافية يسهل على اللاعبين الكبار تسييرها والنهل من خيراتها.
فالغباء السياسي لعنة تصيب غير المؤهلين لحكم الأوطان في عصور الطوفان، سواء لهوسهم بشيطنة القوى الخارجية وغض الطرف عن المفسدين، او بتجاهل مطالب شعوبهم المشروعة في العيش الكريم، وعدم وعيهم بان تفادي طوفان التقسيم الدموي يتطلب وحدة الصف. وأن عصرنا الحالي عصر نماء أو دمار، بلا أدنى خيار ثالث.
لكن ضريبة المجد والهزائم غالبا ما تؤخذ من دماء الأبرياء.
_جليلة خليفه مفتوح_