الوطن مركب النجاة… والدفاع عنه عبادة لا تقل شأنًا عن الصلاة
بقلم: محمود سعيد برغش
تخيّل قاربًا صغيرًا يتوسط البحر، تتقاذفه الأمواج من كل صوب، يجلس فيه ركّابٌ كثر، كلٌّ في زاويته. فجأة يبدأ بعضهم بنشر ألواح القارب من الأسفل، ظنًا أن ما يفعلونه لا يخص الآخرين. مشهدٌ قد يبدو ساخرًا في إحدى الرسوم الكاريكاتيرية، لكنه في حقيقته تصويرٌ موجع لما آل إليه حال كثير من الأوطان: أنانيةٌ تنهش جسدها، وأيدٍ تعبث فيها باسم المصالح الخاصة.
الوطن هو القارب… ونحن جميعًا ركّابه.
وإن تهاون أحدنا، فإن الغرق سيطالنا جميعًا، مهما اعتقد أنه في مكانٍ آمن.
المصلحة العامة لم تكن عبثًا، بل وُجدت لتكون صمام أمانٍ يحفظ للناس استقرارهم. لكن حين يُقدَّم الهوى الشخصي على ما ينفع الجميع، تنفلت سفينة الوطن من مرافئ الأمان، ويتحول المجتمع إلى ساحة صراعٍ خاسر للجميع.
الأخطر من ذلك أن بعض من يعبثون في جسد الوطن، لا يدركون أن الدفاع عن الوطن ليس مجرد التزام وطني، بل هو فريضة شرعية، أوجبها الله ورسوله، وأجمع عليها علماء الإسلام.
في القرآن الكريم، قال تعالى:
> “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ”
(الأنفال: 60)
> “وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ”
(النساء: 104)
وفي السنة النبوية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
> “من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد.”
(رواه الترمذي وأبو داود)
وهل الوطن إلا دينٌ وأهلٌ ومال؟
إن الدفاع عنه هو دفاع عن كل القيم التي يقوم عليها الإنسان.
وفي هذا السياق، تحدث العلماء والفقهاء بوضوح:
قال الإمام الشافعي:
“الذبّ عن الديار واجب إذا دخلها العدو، وفرض على الجميع دفعه حسب الطاقة.”
وقال ابن تيمية:
“الدفاع عن الوطن من أعظم أنواع الجهاد، بل هو أوجب من الحج، لأنه حماية للناس والدين.”
وقال الشيخ ابن باز:
“الواجب على المسلمين الدفاع عن بلادهم إذا اعتدي عليها، وهذا واجب شرعي لا خلاف فيه.”
فلا دين لمن لا وطن له، ولا كرامة لأمةٍ تمزّق نفسها من الداخل باسم المصلحة الشخصية.
ما نشهده اليوم من تساهل في قوانين الدولة، وتغليب للأنانية، ومحاولات ممنهجة لتقويض أسس العدالة، هو الوجه الآخر لخيانة صامتة. من يظن أنه بمنأى عن السقوط لأنه في موقع آمن، واهم؛ فحين يغرق القارب، لا ينجو فيه أحد.
الوطن لا يُحمى بالشعارات، بل بالضمير الحي، والعدل، والإخلاص.
المصلحة العامة ليست خصمًا لأحد، بل هي المظلة التي تحمي الجميع من السقوط في هوة الفوضى.
فلنُطفئ مناشير التخريب، ولنُرمم ألواح القارب قبل أن يُصبح وطننا قصة تُروى عن أمةٍ كانت تملك كل شيء… إلا الوعي.
—