محمد أبوزيد عثمان – اخصائى نفسى وتخاطب
يصيبني الحزن عندما أرى أسرة تفككت، أو انهارت، نحن لا نعلم كم نخسر على المدى البعيد
مع كل أسرة لم تعد أسرة متماسكة بالمجتمع، الأذى سيصيبنا جميعا، فاستقرار المجتمع مرهون باستقرار الأسرة، وإن فرص الجرائم والسرقات وانعدام الأمن تزداد في كل مرة تنهار اسرة هنا أو هناك.
إن تغيير بنية الأسرة، مثل تحول الأسرة من والدين يشرفان على تربية الأبناء إلى الأم العزباء أو الأب الأعزب،
يقود إلى تغيير في مستوى الدخل، تغيير في الوقت، وتغيير في مستوى التواصل ومصادره، وتغيير في المكان، وهذا يضغط على الأطفال وعلى من يحمل مسؤوليتهم.
وذلك يؤدي إلى تغيير في تركيز الأطفال
الذي يؤدي إلى تغيير في الدرجات الدراسية للأبناء، وتغيير في الحالة المزاجية والسلوكية، مثل زيادة العصبية أو السهر أو الانعزال، مما يزيد العبء على العائل الأعزب، فيصبح الأب والأم في نفس الوقت.
ورغم اجتهاد العائل الأعزب، فهناك دور للأب لا يمكن للأم أن تقوم فيه،
وهناك دور للأم لا يمكن للأب أن يقوم فيه، ولعل أكثر ما تتأثر به الأسرة هو مستوى الدخل، والقصور على الأبناء في توفير حياة كريمة لهم، فالحذر من الاستعجال بالطلاق إذا كان ذلك يؤدي لضعف مستوى الصرف على الأبناء
ويقصد بتغيير الوقت بعد الطلاق، هو تغيير الوقت المخصص للأبناء من قبل الوالدين، فأحد الوالدين بعيد، والآخر مشغول بتأمين العيش وأعباء المنزل في غياب الشريك، فجودة الوقت كوالدية قلّت ولم تعد كما كانت في السابق،
فتقل نسبة الرعاية والعناية والدور المؤثر اللصيق.
ليس بالضرورة أن ما ذكر يتزامن مع حادثة الطلاق، بل قد لا يكون طلاق، ومع ذلك جميع ما ذكر سابقا يتحقق، مثل غياب الدور المؤثر لشريك الحياة والإهمال واكتفاءه بصفة المراقب، ويطلق عليها الأسر الهشة.
تغيير المكان يقصد به تغيير المنزل من منزل كبير مثلا إلى منزل أصغر، أو منزل مشترك مع أهل الزوج أو الزوجة، فقدان الخصوصية، الحرية، كثرة التدخلات، الاحتكاك بأبناء آخرين، الرحيل عن المكان الذي به الأصدقاء إلى حيث الغربة، كل له عواقبه ومحاسنه أيضا.
مصدر الدخل المستقر مهم في استقرار حالة الأبناء “ليس بالضرورة الثراء”
فالأبناء مثلا غير مضطرين للعمل وترك الدراسة لمساعدة المنزل، والعائل العازب غير مضطر لترك الأبناء للعمل في وظيفتين مثلا على حساب الانتباه للأبناء.
ورغم عواقب الانفصال على الأبناء إلا أنه أحيانا لا بد منه، فقد يدفع الأبناء ثمن استقرارهم النفسي في بيئة كثيرة العنف، ويصبح الطلاق أكثر رحمة، وإن إجبار أحد شريكي الحياة على الاستمرار في زواج البقاء فيه خاطئ بحسب العقلاء قد يسبب مشكلات نفسية كبيرة للأبناء مثل الاكتئاب والقلق المخاوف.
ولتخفيف آثار الانفصال على الأبناء:
أولا: الاحتواء العاطفي تجاه الأبناء،
لا تدع أبناء شهدوا انفصال والديهم دون الجلوس والحديث معهم، وجعلهم يتحدثون عن مشاعرهم، بل وجلوس الوالدين معهم منفصلين أو مجتمعين، بحيث يكون التركيز على”نحن نحبكم وسنبقى معكم لكننا لن نستمر كوالدين بالبقاء معا”.
ثانيا: تنمية مهارات التواصل الاجتماعي،
وذلك بإشراك الأبناء بأنشطة اجتماعية أو دورات تدريبية لتحسن قدرة الأبناء على التواصل وحمايتهم من الانعزال والانسحاب بفعل حادثة الطلاق، لا تدعهم أسرى للأجهزة الإلكترونية، فقد تكون محاولة للهروب من الواقع.
ثالثا: العناية بالنفس، لا يمكن أن تعتني بمن تحب إذا لم تكن تعتني بنفسك،
المشاعر معدية، فرؤية الأبناء والدهم أو أمهم في حالة مزرية أو كآبة طاغية له تأثيره أكثر من حادثة الطلاق نفسها، فلابد من الانشغال بالحياة ومتابعتها، والحفاظ على الصحة النفسية وزيارة مختص لو تطلب الأمر.
رابعاً: إبقاء صورة شريك الحياة جيدة، خطأ كبير عندما يعمد أحد الطرفين على تشويه صورة الآخر،
أو تجنيد الأبناء ليكونوا رأس حربة تجاه الآخر، فذلك يزعزع الأمان داخل نفوسهم، فالواجب هو الذكر الحسن لشريك الحياة أمام الأبناء حتى لو كان هو المخطئ، الأبناء لا علاقة لهم بما حدث بينكما.
في النهاية إذا أردنا مجتمعا مستقرا، لنبدأ من الأسرة أولا، وعليه لابد من تكثيف الدورات والتوجيهات في الرقي بالأسرة وتوعيتها والحفاظ عليها،