تحذير تاريخي للكيان الصهيوني “فريدريكسن” نتنياهو نكبة جديدة على الفلسطينيين!
بقلم : نبيل أبوالياسين
في ظل الصمت الدولي المطبق، وفي ظل تباين المواقف وتذبذبها، يأتي صوت من أقصى الشمال الأوروبي ليصدح بحقيقة قاسية ومريرة. ليس صوتاً من حنجرة سياسي يبحث عن مكاسب انتخابية، بل صوتاً يبدو كأنه صرخة ضمير يائس من المشهد الكارثي. رئيسة وزراء الدنمارك، مته فريدريكسن، التي لطالما كانت مواقفها تميل إلى الاعتدال والحذر، تكسر هذا السياج بتصريحات جريئة، تكاد تكون الأكثر وضوحاً وقوة، لتُلقي باللوم مباشرة على شخص بنيامين نتنياهو، وتصفه بـ”المشكلة بحد ذاتها”، في خطوة غير مسبوقة تضع النقاط على الحروف وتكشف عن مدى الإحباط المتزايد من سلوك الحكومة الإسرائيلية المتطرفة.
مشكلة بحد ذاتها: تحوّل في الخطاب
لم تكن تصريحات فريدريكسن مجرد انتقاد عابر، بل كانت بمثابة إعلان تحول في الخطاب السياسي الأوروبي. عندما يصف زعيم أوروبي رئيس وزراء دولة حليفة بأنه “مشكلة بحد ذاتها”، فهذا يعني أن الوضع قد تجاوز كل الخطوط الحمراء. لقد أكدت رئيسة الوزراء الدنماركية بوضوح أن إسرائيل ستكون في وضع أفضل بدون نتنياهو، وهو ما يعكس قناعة متزايدة لدى الكثير من صناع القرار بأن التصرفات العنيفة والمستمرة لحكومته في غزة باتت تشكل عائقاً أمام أي حل سياسي أو إنساني. هذه الكلمات ليست مجرد رأي شخصي، بل هي مرآة تعكس تزايد حالة اليأس والإحباط من سلوك نتنياهو الذي يهدد بتقويض فرص السلام.
أطفال تحت الأنقاض.. ومعاناة لا تُبرر
تجاوزت فريدريكسن في حديثها الجوانب السياسية لتقف عند المعاناة الإنسانية التي لا يمكن تصورها في غزة. لقد وصفت الصور التي تصل من القطاع بـ”المروّعة”، وتحدثت عن أطفال بلا طعام ولا دواء، وآخرين تحت الأنقاض. هذه الكلمات تحمل ثقلاً إنسانياً هائلاً، وتكشف عن حساسية عالية تجاه الكارثة التي تتكشف فصولها أمام أعين العالم. فريدريكسن لم تتردد في التأكيد على أن هذه المعاناة لا يمكن تبريرها بأي شكل من الأشكال، مما يضع حكومة نتنياهو في موقف حرج ويُظهر مدى الاستياء الدولي من أسلوب الحرب الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي.
حل الدولتين في مهب الريح
لم تكتفِ فريدريكسن بانتقاد سلوك نتنياهو وحكومته، بل ربطت بين هذا السلوك وتقويض فرص تحقيق حل الدولتين، الذي لطالما كان الموقف الرسمي للدنمارك. لقد أشارت بشكل مباشر إلى المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية، واعتبرتها عاملاً آخر يهدد هذا الحل. وبينما أكدت على تأييد الدنمارك لإقامة دولة فلسطينية، شددت على ضرورة أن يخدم الاعتراف هذه الغاية بفاعلية. ولكنها في الوقت ذاته، عبّرت عن قناعتها بأن الاعتراف الآن قد لا يساعد آلاف الأطفال الذين يصارعون من أجل البقاء، مؤكدة على ضرورة زيادة الضغط على كل من إسرائيل وحماس كأولوية قصوى.
السؤال الأصعب: كم طفلًا يجب أن يموت تحت الأنقاض قبل أن تتحول الكلمات إلى فعل؟
بينما تترجم فريدريكسن إحباطها إلى وعود بالضغط، تظل صور الأطفال المشوّهين تحت الركام هي المحك الحقيقي. تصريحاتُها التاريخية لن تُحاسب على جُرأتها اللغوية، بل على قدرة أوروبا على “وقف آلة الموت الإسرائيلية”التي تحرق الأخضر واليابس. إذا فشلت في تحويل الصوت إلى فعل خلال رئاستها للاتحاد، فستتحول كلماتها إلى مجرد دموع في محرقةٍ لن تَسْكُن إلا بوقف إبادة الفلسطينيين.
ختامًا: الضغط الأوروبي أولوية
تدرك رئيسة وزراء الدنمارك أن الكلمات وحدها لا تكفي، وأن الفعل هو ما يصنع الفارق. لذا، أكدت على أن بلادها، خلال توليها رئاسة الاتحاد الأوروبي في الأشهر الستة القادمة، ستعمل على زيادة الضغط على الأطراف الفاعلة. هذه المسؤولية الخاصة، كما وصفتها، تضع على عاتق الدنمارك عبئاً كبيراً لترجمة هذا الإحباط المتزايد إلى سياسات عملية. إن تصريحات فريدريكسن ليست مجرد صرخة يأس، بل هي دعوة صريحة للعمل الأوروبي الموحد، بدءاً من زيادة المساعدات الإنسانية التي لا يمكن قبول منعها، وصولاً إلى اتخاذ مواقف أكثر حزماً لضمان إيصالها إلى المستحقين. هذا المقال ليس مجرد خبر عابر، بل هو رسالة تحذير صارخة من أن صبر العالم قد نفد، وأن الأولوية الآن هي لوقف الكارثة الإنسانية ووضع حد للعنف الذي لا يمكن تبريره، قبل أن ينهار كل ما تبقى من آمال السلام.