ثورة 23 يوليو تحولات جذرية في بنية المجتمع المصري وتأثيرها المعاصر
كتبت /منى منصور السيد
شكلت ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة الضباط الأحرار نقطة تحول مفصلية في تاريخ مصر الحديث لم تقتصر على تغيير النظام السياسي من الملكية إلى الجمهورية بل امتد تأثيرها ليشمل كافة جوانب المجتمع المصري محدثة تحولات جذرية في بنيته وأولوياته ولفهم الأثر العميق لهذه الثورة لا بد من استعراض أبرز التغيرات التي طرأت على المجتمع وكيف تبلور هذا التأثير في العصر الحديث
الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بذور التغيير
كانت الثورة تهدف في المقام الأول إلى القضاء على الإقطاع وسيطرة رأس المال على الحكم وهو ما انعكس في تبنيها لإصلاحات اقتصادية واجتماعية واسعة النطاق لعل أبرز هذه الإصلاحات هو قانون الإصلاح الزراعي الذي صدر في سبتمبر 1952 هذا القانون لم ينهِ فقط سيطرة كبار الملاك على الأراضي الزراعية بل عمل على إعادة توزيعها على الفلاحين المعدمين مما أحدث تغييرا جذريا في الهيكل الطبقي الريفي تحول آلاف الفلاحين من عمال أجراء إلى ملاك لأراضيهم وهو ما منحهم شعورا بالكرامة والاستقلالية لم يعهدوه من قبل
إلى جانب الإصلاح الزراعي تبنت الثورة سياسة التصنيع لتحقيق الاستقلال الاقتصادي وتقليل الاعتماد على الخارج أُنشئت المصانع الكبرى في قطاعات مثل الحديد والصلب والنسيج ووفرت هذه المصانع فرص عمل هائلة لملايين المصريين مما ساهم في نمو الطبقة العاملة وتوسع المدن كما أولت الثورة اهتماما خاصا بالتعليم فجعلته مجانيا في جميع مراحله من الابتدائي وحتى الجامعي بهدف تحقيق تكافؤ الفرص ورفع مستوى الوعي المجتمعي كانت هذه الخطوات بمثابة حجر الزاوية في بناء مجتمع أكثر عدلا ومساواة على الأقل من الناحية النظرية
البنية الاجتماعية صعود طبقات وتراجع أخرى
أثرت التغيرات الاقتصادية والاجتماعية بشكل مباشر على البنية الطبقية للمجتمع المصري تراجعت قوة ونفوذ طبقة الإقطاعيين وكبار ملاك الأراضي بشكل كبير بل واختفت تماما في بعض الأحيان في المقابل شهدت الطبقة الوسطى تضخما كبيرا مدفوعة بتوسع الجهاز الحكومي والقطاع العام وتزايد أعداد المتعلمين وحاملي الشهادات لعبت هذه الطبقة دورا محوريا في دعم الثورة وترسيخ مبادئها كما برزت الطبقة العاملة كقوة اجتماعية واقتصادية لا يستهان بها بفضل التوسع الصناعي وسياسات التوظيف
على الصعيد الاجتماعي عملت الثورة على تعزيز مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين أُقر الحق في العمل والتأمين الاجتماعي وسعت الدولة لتوفير الخدمات الأساسية مثل الصحة والإسكان بأسعار مدعومة هذه الإجراءات ساهمت في تحسين مستوى معيشة قطاعات واسعة من المجتمع وقللت من الفجوات الطبقية الصارخة التي كانت سائدة في العهد الملكي
الأثر الاجتماعي في العصر الحديث إرث مستمر وتحديات جديدة
لا يزال الأثر الاجتماعي لثورة 23 يوليو واضحا في بنية المجتمع المصري المعاصر وإن كان قد شهد تحولات وتحديات جديدة الإرث الأبرز يتمثل في رسوخ فكرة الدولة المركزية القوية التي تلعب دورا محوريا في توجيه الاقتصاد والمجتمع ورغم التحولات نحو اقتصاد السوق والانفتاح إلا أن تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي والاجتماعي لا يزال سمة مميزة للمجتمع المصري
كما أن مبادئ التعليم المجاني والتأمين الاجتماعي رغم التحديات التي تواجهها اليوم لا تزال حقوقا راسخة في الوعي الجمعي للمصريين ساهمت الثورة في خلق جيل من المتعلمين الذين شكلوا وعيا وطنيا وقوميا وهو ما انعكس في مشاركتهم الفاعلة في الحياة العامة على مدار عقود
ومع ذلك لم تخلُ الثورة من تحديات أثرت على المدى الطويل فالتوسع المبالغ فيه في القطاع العام أدى إلى ترهل بيروقراطي وبعض سياسات التأميم أثرت سلبا على القطاع الخاص كما أن الاعتماد الكبير على الدولة في توفير الوظائف والخدمات خلق نوعا من الاتكالية في بعض الأحيان
في العصر الحديث يواجه المجتمع المصري تحديات تتمثل في الحاجة إلى تحقيق التوازن بين دور الدولة ودور القطاع الخاص وتوفير فرص عمل كافية للأجيال الشابة ومعالجة المشكلات المتعلقة بجودة الخدمات العامة ولكن من غير الممكن الحديث عن هذه التحديات بمعزل عن السياق التاريخي الذي وضعته ثورة 23 يوليو والتي لا تزال تشكل جزءا لا يتجزأ من الهوية المصرية المعاصرة لقد غيرت الثورة وجه مصر بشكل لا رجعة فيه ولا تزال أصداؤها تتردد في كل زاوية من زوايا المجتمع تذكرنا بمدى عمق تأثيرها على الأجيال المتعاقبة