حقيقة الأمر بين روسيا وأوكرانيا وما هدفها من الحرب القائمة الٱن؟!
محمد إسماعيل البنا
إن الوضع الذي يعيشه العالم الأن محيرا بكل المقاييس ويخلق حالة من التساؤلات والجدال حول ،تسارع وتيرة الأحداث بين روسيا وأوكرانيا والتي أساسها صراع حول المصالح والسياسات.
تعود بداية الأزمة الحالية إلى 21 تشرين الثاني 2013 عندما أوقف الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا في ذلك الوقت فيكتور يانوكوفيتش الاستعدادات لتنفيذ اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وتبع هذا الإيقاف تظاهرات واحتجاجات واسعة النطاق، وصدامات بين التنظيمات الانفصالية والقوات الحكومية الأوكرانية، في العاصمة الأوكرانية، وتفاقم الوضع أكثر في المناطق الشرقية والجنوبية المحاذية لروسيا، وما يميّز هذه المناطق، أن الغالبية من سكانها تتحدث اللغة الروسية، وداعمة للرئيس يانوكوفيتش.
ومع اشتداد الاحتجاجات من قِبل معارضي قرار الرئيس، وتحولها إلى ثورة كبيرة أدت إلى عزل الرئيس في 22 شباط 2014 من قِبل البرلمان، وفراره، وتم تعيين رئيس برلمان أوكرانيا ألكساندر تورتشينوف بدلاً منه، ونتيجة لذلك سيطرت روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014 في واحدة من أكبر عمليات ضم الأراضي التي عاشتها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وهي من المناطق التي كانت تتمتع بحكم ذاتي، وفرضت كنتيجة للوضع اتفاقات لوقف إطلاق النار، اعتبرتها أوكرانيا غير مناسِبة لها، كما نشبت حرب في أوبلاست دونيتسك ولوهانسك أوبلاست بين الانفصاليين الموالين لروسيا والحكومة الأوكرانية.
وقد ردت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على روسيا نتيجة غزوها القرم، لكن العقوبات لم تترك أثراً فعلياً على الاقتصاد الروسي، فالاقتصاد الروسي بقي مستقراً، وقد أسهمت أسعار النفط الروسي في إبقاء الاقتصاد الروسي على ذلك، والأهم أن روسيا تعمل على امتلاك أداة ضغط قوية في السيطرة على سوق النفط وذلك من خلال سيطرتها على خط أنابيب “نورد ستريم 2” الذي يجعل ألمانيا تعتمد على الغاز الروسي؛ خاصة أن إجراءات بناء الخط تسير على قدم وساق رغم بعض الصعوبات.
والحقيقة، أن نجاح روسيا على أرض المعركة لم يماثله نجاح دبلوماسي منذ ذلك الوقت، حيث تبين لاحقاً أن بروتوكول مينسك خاسر لكل من أوكرانيا وروسيا؛ فقد تراجع نفوذ روسيا بشكل مستمر منذ عام 2015 – مع احتفاظها بالأراضي التي سيطرت عليها – ووقّعت أوكرانيا اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي عام 2014، وهذا يعني دخولها ضمن الإطار الأوروبي، وهو هدف أساسي لها، ثم سعت بشكل حثيث للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، ورغم أنها لم تنضم إليه بعد، فإن علاقاتهم في تطور مستمر.
أما فيما يتعلق بأوكرانيا؛ فإنها لم تستعِد أراضيها، وفشلت العقوبات الأمريكية والأوروبية في دفع روسيا للانسحاب، وبقي الصراع صامتاً مستقراً ولم يتطور إلى مواجهة كبرى حتى اللحظة.
وعلى الجانب العسكري، فإنه منذ سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم، تطوَّر أداء الجيشين الأوكراني والروسي كثيراً، مع تفوق نوعي وكمي لصالح روسيا.
لكن النزاع الذي بقي مستقراً أو من النوع المحدود، بعد انحسار القتال في شرق أوكرانيا عام 2016، عاد ليصبح قابلاً للانفجار مع إعادة تموضع القوات العسكرية الروسية على الحدود المتاخمة لأوكرانيا والتي تتجاوز دورتها التدريبية المعتادة، وهو ما فسّره مراقبون كثيرون بأنه غزو عسكري وشيك، حيث تحركت القطاعات العسكرية الروسية لآلاف الكيلو مترات وبأعداد تصل إلى عشرات الآلاف إلى الحدود الأوكرانية وشبه جزيرة القرم.
على أي حال، فإن المعارك المستمرة منذ نشوء الصراع أدت إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص، وهو عدد كبير، لكنه سيكون ضئيلاً لو تحول الصراع إلى صراع شامل بين روسيا وأوكرانيا بشكل مباشر؛ ولأن الأزمة الحالية أساسها الخلافات على اتفاقات مينسك وحول كيفية تطبيقها.
وتسعى روسيا لإثبات نفسها بوصفها لاعباً جيوسياسياً وجيواستراتيجياً في منطقة لطالما اعتبرت ضمن المصالح الحيوية لروسيا أي أوكرانيا،
حيث غيّرت روسيا من رؤيتها لمصالحها في أوكرانيا، وبالتالي خطوطها الحمراء، التي أصبحت ترى أن هذه الخطوط لم تعد تتناول عضوية أوكرانيا في الناتو فقط، بل رفض التعاون الدفاعي المتزايد بين أوكرانيا والغرب بشكل كلي أيضاً.
تسعى روسيا إلى مراجعة الاتفاقات والتسويات التي تمت ما بعد الحرب الباردة، ومن ضمنها استعادة المنظومة الإقليمية ليكون لها دور في الأمن الأوروبي، وبالتالي تريد روسيا ضمانات غير مشروطة لأمنها اليوم ومستقبلاً، ولن تقبل بتمدد الناتو شرقاً ليشمل أوكرانيا كما قال بوتين.
تعتنق روسيا مبدأ أو عقيدة أن العالم اليوم عالم متعدد الأقطاب، وأن عصر الأحادية القطبية قد انتهى، وبالتالي فإن التدخل أو الإدانة الأمريكية لضم روسيا لشبه جزيرة القرم والمعارك في شرق أوكرانيا وغيرها من السياسات الأمريكية هو تدخل في الشؤون الروسية الداخلية، حتى العقوبات الأمريكية فهي بالنسبة إلى روسيا غير شرعية.
التهديد المباشر الذي تخشاه روسيا هو توجه أوكرانيا نحو المؤسسات الأوروبية، ومطلبها الرئيسي هو منع انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة في القارة، أو حلف شمال الأطلسي، أو حتى امتلاك بنية تحتية للناتو على أراضيها، حيث إن ذلك يعني أن أوكرانيا عضو في اتفاقية الدفاع المشترك الأوروبي، وبالتالي وجود قوات الحلف وقوات أوروبية على الحدود الروسية.
أما الإطار الأبعد للمصالح الروسية فهو يتمثل في إعادة ربط الدول التي كانت تشكل في السابق الاتحاد السوفييتي قبل انهياره، لمنافسة الاتحاد الأوروبي بل والولايات المتحدة والصين أيضاً، ويعد ذلك أمناً استراتيجياً للجانب الروسي وخاصة للرئيس فلاديمير بوتين الذي يهدف إلى إبقاء أوكرانيا في الدائرة الاستراتيجية الروسية، ويعزز ذلك أن لدى روسيا روابط اجتماعية وثقافية واقتصادية قوية مع أوكرانيا.
إن الأزمة بين أوكرانيا وروسيا تشير إلى إشكاليات متعددة، فالبُعدان الأمني والقومي عاملان أساسيان من عوامل الأزمة، ومحددات الجغرافيا السياسية حاضرة بقوة أيضاً، ولذلك فإن الفهم الأعمق للأزمة يكون من خلال ما تطرحه النظرية الواقعية من مفاهيم المصلحة القومية واعتبارات القوة والتوسع والعلاقة الصراعية بين الدول ، فالقوة هي المحرك للأزمة كما أن الأمن والأحلاف والتوسع عوامل أساسية في تفسير ما يحدث، فروسيا تخشى التحاق أوكرانيا بالاتحاد الأوروبي والناتو، وما يمثل ذلك من مخاطر استراتيجية وأمنية على مصالحها، بل وتهديد لأمنها كما يتصوره القادة الروس، وكذلك مسألة نشر صواريخ الناتو في المنطقة وغيرها من القضايا التي ترتبط بما يسمى بالمصالح العليا High Politics للدول.
وعلى الجهة الأخرى، فإن الأوروبيين يخشون من روسيا وتمددها في المنطقة، وكذلك أمريكا، فاحتلال روسيا لأوكرانيا ، يعني تهديد بقاء دول أوروبية أخرى أيضاً ،
وفي حقيقة الأمر إن الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا ليس هدفها قتل الآلاف من البشر إنما كسر إرادة الدولة الأوكرانية وتغير اتجاهاتها السياسية وهو ما يسعى إليه (بوتن) لتحقيقه مما يجعلنا على أعتاب نظام دولي متعدد الأقطاب ظهرت ملامحه وتغيراته في موازين القوى الدولية وهو ما برهنت عليه الأحداث الدولية القائمة وعصر إرادة (چون بايدن) على عدم السيطرة على الإرادة الروسية ، وحقيقياً المتابع لما يحدث على الساحة الدولية من قيام كلاً من الصين في الوقوف بجانب ومساندة الإرادة الروسية وكذلك رئيس الدوله البرازيلي وخروجه من عباءه الولايات المتحدة الأمريكية رغم أننا نعرف أن البرازيل مولية ولائاً تماماً ، و كذلك ، أعلن المستشار الألماني، أولاف شولتز أن بلاده ستخصص 100 مليار يورو إضافية لصالح صندوق خاص تابع لقواتها المسلحة، مما يرفع إنفاقها الدفاعي إلى ما يزيد عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي.
ووفقا لبيان لوزارة الدفاع الألمانية “بوندسفير” – “من الواضح أننا بحاجة إلى زيادة الاستثمار بشكل كبير في أمن بلدنا من أجل حماية حريتنا وديمقراطيتنا”.وهذه تعد الانتفاضة الأولى للألمانيا منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية.
ولكن ليس علينا النظر فقط إلى الحرب القائمة إنما لابد من دراسة ما بعد الحرب ما ستحدثه من تغيرات في موازين القوى الدولية والأدوار التي ستلعبها الدول في النظام الدولي الجديد والذي تتمنى أن تكون مصرنا الحبيبة لها دوراً سياسياً فيه كقوة قادرة على التأثير في المجتمع الدولي