حين تؤذي النصيحه: كلمات تقال في غير موضعها فتترك أثرا جارحا
بقلم: المعالج النفسي
فاطمة الصغير
في كثير من المواقف الصعبة، نلجأ إلى جُمل محفوظة نُكرّرها على من حولنا، ظنًّا منا أنها تُساعد أو تُواسي.
لكننا نغفل عن حقيقةٍ مهمّة، وهي أن بعض هذه “النصائح” قد تُضيف عبئًا جديدًا بدلًا من أن تُخفّف.
فالكلمة، وإن قيلت بنيّة طيبة، قد تكون جارحة حين تأتي في غير موضعها، أو تُنكر مشاعر الآخر وتُحمّله مسؤولية ما لا يحتمل.
كم من شخصٍ سمع، بعد تعرّضه لخيانة أو أذى، عبارة:
“يمكن أنت السبب.“
وكم من فتاة أُجبرت على الصمت بعد تعرّضها للتحرّش، لأنّ من حولها أرهبوها بنظراتهم وتعليقاتهم.
تُقال هذه العبارات بنيّة طيبة للدعم والمساندة، لكنها في الحقيقة تُوجّه رسالة ضمنية قاسية مفادها:
“ألمك لا يُصدَّق، أو لا يستحق التفاعل.“
وهنا يتحوّل المتألم من ضحية إلى مُتَّهم، ويُصبح عليه أن يُبرّر وجعه، ويُثبت أنه من حقه أن يحزن أو يغضب.
كم منّا استمع إلى عبارات مثل:
“اصبر، أنت أحسن من غيرك.”
“هو بيحبك بس مش بيعرف يعبّر.”
“انسى وعدّي، الحياة لا تتوقف.”
لكن هذه العبارات – رغم نغمتها الهادئة – قد تحمل إنكارًا لمشاعر الشخص، ورفضًا لمساندته بطريقة حقيقية.
فالدعم لا يعني أن نُقلّل من المشكلة، أو نُطالب الآخر أن يبتلع ألمه ليُريحنا.
دعمنا الحقيقي يبدأ بـ أن:
_ نستمع دون أن نطلق أحكام.
_ نعترف بأنّ الألم واقع، حتى إن لم نفهمه.
وأن نقول ببساطة:
“أنا أسمعك… أصدقك… أشعر بك… أنا هنا.”
فالدعم النفسي لا يحتاج إلى نصائح عظيمة، بل إلى حضور إنساني صادق، يُشعر الآخر بأنه ليس مرئيًا فحسب، بل مفهومًا ومُقدَّرًا.
في المرّة القادمة التي تسعى فيها لمواساة شخصٍ متألّم، لا تسبق نيتك الطيبة حاجته الحقيقية.
فأحيانًا، يكون الصمت المتفهّم أبلغ من مئة عبارة منمّقة.
دمتم بصحة نفسية جيدة.