بين واقع الأحزاب، غياب المعارضة، وظلال ثورة يوليو
بقلم: محمود سعيد برغش
منذ أن أُسدل الستار على الحقبة الملكية في مصر عام 1952، وبدأت الجمهورية الحديثة تحت لواء ثورة يوليو، تعلّق المصريون بحلمٍ كبير: مجتمعٌ عادل، تمثيلٌ حقيقي، وعدالةٌ اجتماعية لا تُفرق بين غني وفقير.
لكن بعد أكثر من سبعين عامًا، تقف الأسئلة حائرة: هل تحقق ما وعدت به الثورة؟ هل ما زال للمواطن صوت مسموع؟ وهل نعيش حياةً سياسية حقيقية أم مسرحًا مكتمل الديكور يفتقر للبطولة؟
أحزاب كثيرة… لكن أين التأثير؟
التعددية الحزبية في مصر تُشبه واجهة محل فخم، تلمع بالألوان لكنها تفتقد الجوهر. أكثر من 100 حزب سياسي، بعضها يحمل أسماءً تاريخية، وأخرى حديثة النشأة، لكن الحضور الفعلي محدود، والحوار غائب، والرؤية غائمة.
الناخب لا يجد نفسه في أي من هذه الأحزاب. لا برامج تُناقش، لا رموز يُقتدى بها، لا آليات للمشاركة الحقيقية. وفي النهاية، يشعر المواطن أن اللعبة السياسية تُدار دون أن يكون جزءًا منها.
المعارضة… الغائب الحاضر
المعارضة في أي نظام ديمقراطي ليست ترفًا، بل ضرورة تضمن التوازن وتصحح المسار. لكن في الواقع المصري، أصبح صوت المعارضة خافتًا، وإن وُجد، وُضع في خانة الاتهام.
المسؤول يخطئ ولا يُحاسب، السياسات تتغير دون حوار، والمواطن يشاهد فقط. غابت المساءلة، وغاب معها الإحساس بأن السلطة تُمارس لصالح الناس، لا من فوقهم.
ثورة يوليو… حلم بدأ وتاه
لا أحد يُنكر أن ثورة يوليو أنجزت الكثير: الإصلاح الزراعي، مجانية التعليم، تأميم القناة، بناء السد العالي، وإنشاء قاعدة صناعية وطنية.
لكنها أيضًا – ومع مرور الوقت – انحرفت عن مسارها الديمقراطي. أُلغيت الأحزاب، تراجعت الحريات، وانكمش المجال العام. ثم جاءت العهود التالية لتزيد من تعقيد المشهد، وتُعيد إنتاج التفاوت الاجتماعي تحت مسميات اقتصادية براقة.
النتيجة؟ عدالة اجتماعية لم تكتمل، وفجوة طبقية تتسع، وسياسة تنكمش فيها مساحة المواطن العادي
ختامًا: ما نحتاجه ليس بديلاً للحلم… بل عودةً إليه
نحن لا نرفض النظام، ولا نحارب الدولة، بل نبحث عن دولةٍ تُشرك أبناءها في القرار، لا تُقصيهم.
عن معارضة وطنية تُحاسب وتُقوّم، لا تُخوّن.
عن مسؤول يعتبر المنصب تكليفًا لا تشريفًا، ويدرك أن قيمته في خدمته لا في صورته.
نحتاج إلى برلمان يعكس صوت الشارع، لا يُزيّنه.
نحتاج إلى أحزاب حقيقية، لا شعارات براقة.
وقبل كل ذلك، نحتاج إلى أن نستعيد روح يوليو الأولى… لا أن نعيش على أطلالها.