“حين تُحبَس المشاعر.تُطفأ ملامحنا”
فاطمة الصغير
المعالج النفسي
في داخل كلٍّ منّا بحرٌ من المشاعر، بعضها يُحكى، وأكثرها يُكتم.
ننشأ ونحن نسمع عبارات مثل: “لا تغضب”، “لا تبكِ”، “لا تكن دراميًا”، فنعتاد أن نُطفئ مشاعرنا قبل أن تُرى، وأن نكتم أوجاعنا كي لا نُتَّهم بالضعف.
المشكلة ليست فقط في الكتمان، بل في أننا لم نتعلّم أن ما نشعر به مهم، وأن المشاعر ليست شيئًا نخجل منه أو ندفنه، بل هي لغتنا الأولى لفهم أنفسنا والتواصل مع العالم.
المشاعر ليست رفاهية، ولا حالة مؤقتة نمرّ بها وننكرها، بل هي جوهر وجودنا الإنساني.
أن تقول “أنا حزين”، أو “أنا خائف”، أو “أنا محتاج”،
هو إعلان عن وجودك، وعن حاجتك لأن تُرى وتُفهَم وتُحتضن.
لكن حين تُحبَس هذه المشاعر، يحدث ما هو أخطر من الصمت:
_ نصير غرباء عن أنفسنا، نتعامل بجفاء، نقنع الآخرين أننا بخير ونحن على وشك الانهيار.
_ تتأثر علاقاتنا مباشرة، ويصبح التواصل سطحيًا.
_ تكثر الخلافات التي لا نفهم أسبابها، ويختفي الدفء من كلماتنا ونظراتنا وحتى أجسادنا.
_ نغضب بدلًا من أن نقول: “أنا موجوع”، وننعزل بدلًا من أن نُصرّح: “أنا متوتر وبحاجة لوجود أحد بجانبي”، وننفجر في لحظة، بينما المشكلة كانت تتراكم منذ شهور.
ما الذي يفعله كبت مشاعرنا بنا؟
_ يُربك إحساسنا بأنفسنا: لا نعود نُميّز ما نشعر به فعلًا، فنبقى عالقين في حالات من الانفصال أو التبلّد.
_ يفقدنا الثقة بالآخرين: نظن أن لا أحد سيفهمنا، أو أن التعبير سيُقابل بالسخرية أو التجاهل.
_ يزيد الإحساس بالوحدة: كلما كتمنا أكثر، كلما شعرنا أننا وحدنا وسط الزحام.
_ يؤثر على صحتنا النفسية والجسدية: القلق، الاكتئاب، الأوجاع الجسدية غير المبررة… كلها قد تكون رسائل صامتة لما لم يُقال.
التعبير عن المشاعر لا يعني أن نبوح بكل شيء لكل الناس، لكنه يعني أن نكون صادقين مع أنفسنا، وأن نجد مساحة آمنة نشعر فيها بأننا مسموعون دون حكم.
قد تكون هذه المساحة مع شخص نثق به، أو مع معالج نفسي، أو حتى على ورق. المهم أن نعرف أن لنا الحق في الشعور.. والحق في التعبير.
* خطوات بسيطة للتعبير عن مشاعرك بشكل صحّي:
1. سَمِّ مشاعرك بوضوح:
أحيانًا نقول “أنا متضايق” بينما نحن في الحقيقة نشعر بالخذلان، أو الإحباط، أو الخوف.
سؤال بسيط مثل: “بماذا أشعر الآن؟” يفتح باب الفهم.
2. اقبل مشاعرك دون لوم:
لست ضعيفًا لأنك تبكي، ولست دراميًّا لأنك تتألم.
3. استخدم لغة “أنا”:
بدلًا من: “أنت دائمًا تضايقني”، قل: “أنا أشعر بالأذى عندما يحدث كذا”.
4. اختر الوقت والمكان المناسب:
التعبير لا يعني الانفجار. اختر مساحة آمنة وشخصًا مستعدًا لسماعك.
5. لا تتوقع دائمًا فهمًا كاملًا من الآخرين، لكن عبّر لأجل نفسك أولًا.
” التوازن لا يعني أن تكون دائمًا قويًّا، بل أن تعترف حين تتألم، وأن تسمح لنفسك بأن تكون إنسانًا… كاملًا بضعفه واحتياجه.”
التعبير عن المشاعر هو بوابتك لفهم ذاتك، وهو الجسر الأهم الذي تبنيه بينك وبين من تحب.
دُمتم بقلوب صادقة وصحة نفسية آمنة 💙