خبر وفاة قصة قصيرة
بقلم خالد سالم
أضاءت شاشة الهاتف في الظلمة الرمادية للفجر، تتراقص عليها الإشعارات كفراشات ليل حائرة. استيقظت على صوت الرسائل المتتالية، كالمطر الخفيف الذي يقرع النافذة دون استئذان.
أخبار كثيرة تزدحم في تلك اللحظة الأولى من اليوم… ترقية في العمل لصديق بعيد، خطوبة ابنة الجيران، وصول مولود جديد لأحد الأقارب، وأخبار أخرى تتطاير كأوراق الشجر في نسيم الصباح. بعضها يحمل البهجة، وأخرى تحمل أحزان الغرباء البعيدين.
لكن وسط هذا الزحام من الكلمات والصور والرموز التعبيرية، توقف قلبي عند رسالة واحدة. رسالة بسيطة، لا تحمل زخرفة الألوان ولا بريق الاحتفالات:
“انتقل إلى رحمة الله… أحمد.”
أحمد… صديق الطفولة، رفيق المدرسة، شاهد على أحلام العشرين والثلاثين. أحمد الذي كان يضحك بصوت عالٍ ويملأ المكان بحيويته. أحمد الذي تحدثت معه قبل أسبوعين عن خطط الصيف ولقاءات قادمة لن تحدث أبداً.
سقط الهاتف من يدي كحجر في بئر عميق. الصمت ملأ الغرفة، صمت أثقل من كل الضوضاء التي كانت تحيط بي منذ لحظات.
أحزن على أحمد، على ضحكته التي لن أسمعها، على القصص التي لن يحكيها، على الذكريات التي ستبقى معلقة في الهواء دون من يتذكرها معي. لكن الحزن الأعمق، الذي يتسلل إلي كالبرد في ليلة شتاء، هو إدراك مفاجئ ومرعب:
الموت ليس بعيداً كما كنت أظن.
كنت أعيش في وهم أن الموت شيء يحدث للآخرين، لكبار السن، للمرضى، لمن نسمع عنهم في الأخبار. كنت أعتقد أنه حدث بعيد، كالنجوم في السماء – موجود لكنه لا يمسني.
أما الآن، فقد اقترب كثيراً. اقترب حتى لامس كتفي بأصابعه الباردة. أدركت أن الدائرة تضيق، وأن الدور قد يأتي إلي غداً، أو بعد غد، أو في أي لحظة لا أتوقعها.
جلست على حافة السرير، أتأمل ضوء الفجر الذي يتسلل عبر النافذة، وأسأل نفسي: ماذا لو كان الخبر غداً عني؟ من سيحزن؟ وماذا سيبقى من كل هذه التفاصيل الصغيرة التي أعتبرها مهمة؟
في تلك اللحظة، فهمت أن خبر الوفاة ليس مجرد نهاية لحياة شخص… إنه تذكير قاسٍ بأن حياتنا جميعاً معلقة بخيط رفيع، وأن كل صباح هو هبة لا نستحقها، وكل نفس هو معجزة صغيرة نتجاهلها.
وداعاً أحمد… تعلمنا برحيلك، أن الحياة أقصر مما نتخيل، وأثمن مما ندرك.