دروس من الهجرة
بقلم : سامى ابورجيلة
غدا تحل علينا ذكرى عزيزة على قلوبنا جميعا ، ألا وهى ذكرى “هجرة الرسول ” صلى الله عليه وسلم ” من مكة الى المدينة ،
فارا بدينه وبدعوته التى حملها ، وتم إيذاؤه بدنيا بسببها ، بل وتم إغراؤه بجميع المغريات ليتركها ،
أو يتخللى عنها ، ومع ذلك قال قولته الشهيرة ( والله ياعمى لو وضعوا الشمس فى يمينى ، والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر ماتركته حتى يظهره الله أو أن اهلك دونه ) .
ومضى فى طريق دعوته الحقه ، مستعينا بالله ، ثم بنفر قليل ممن آمن به ، ودخل الاسلام ،
وكان فى طليعتهم صديقه الصدوق ( ابى بكر بن أبى قحافه ( ابو بكر الصديق )
وكم عانى الأثنين من تعنت وظلم مشركى مكة .
ولكن مضى فى دعوته غير ملتفت لأى شئ آخر ، وغير مهتم بنفسه ، ولكن كل اهتمامه منصب على الأمانة التى أوكلها الله له .
وهاجر من مكة الى المدينة ليقيم دولة الاسلام ، دولة العدل والمساواه ، دولة لايظلم فيها أحد حتى لولم يكن مسلما ،
دولة قائمة على حفظ الحقوق ، سواء للمسلمين او غير المسلمين .
حتى قال فى احادثه الشهيرة
( من آذى ذميا ، او حمله مالا يطيق ، او أنتقص حق من حقوقه ، فأنا حجيجه يوم القيامة )
وغدا تحتفل الأمة الاسلامية ببداية العام الهجرى ،
وكم كنت اتمنى بدلا من الاحتفالات الهوجاء ، والقاء الخطب الرنانة ، ومايتبعها من اناشيد وغير ذلك أن نقف مليا لنتدارس أحوال امتنا بعد ان كانت سادة للأمم ،
وبعد أن كان الكل يخشاها ويهاب بأسها ، وبعد أن كانت امة مترابطة متحدة على كلمة سواء .
اصبحت كما نرى ، وحالها ليس خافيا على احد ، ضعف ، تفكك ، شرذمة ، هوان
حتى تجرأ علينا وعلى كتابنا الجميع .. والكل فى غفلة من الزمن ، وكأن الأمر لايعنيه .
ثم نأتى بعد ذلك ونقول فالنحتفل بيوم الهجرة .
هل اخذت واستخرجت الدروس والعبر من هذا اليوم ؟
هل وقفت امام المعانى والعظات حول هذا الحدث الذى غير العالم ؟
وهناك من الدروس العديدة التى نستخرجها من هذا اليوم العظيم الأغر :
أولا : ان المؤمن بقضيته لابد أنه ستقابله بعض الاخفاقات من اعداء النجاح ،
وأنه لابد أن تكون هناك عوائق تعترض دعوته الاصلاحية ، فلا ييأس ، ولا يقنط ، بل يمضى فى طريقه مادام على الحق ، وليعلم أن فى النهاية لن يصح الا الصحيح ،
وليعلم انه مادام على الحق فإن ناصره ومؤبده هو الله ،
بشرط أن يستمر فى طريقه متوكلا على ربه ولايلتفت لدعاة الفشل
( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ، إن الله بالغ أمره ) .
ثانيا : النجاح ان يأتى سهلا ميسورا ، بل لابد من الكد والاجتهاد ، والمثابرة ، وتخطى الحواجز والعوائق التى تعترى طريفك .
ثالثا : اغلى ماتملكه هو دينك ( اسلامك وايمانك بربك ) ، فهذا الدين الذى أتى لك عل طبق من ذهب عانى بسببه رسولك ، وحارب
وجاهد من أجل ايصاله لك بغزوات تارة ينتصر ، وتارة لم يوفق فيها وكاد يقتل ، ومن أجل ايصال هذا الدين لك قتل الكثير من المسلمين المخلصين ،
ومن الصحابة الأجلاء كى يتم ايصال هذا الدين لك ،
ثم يأتيك وانت تطرحه وراء ظهرك ، وتجعله ربما آخر ماتفكر فيه ،
وأراد أعداؤك أن يغروك بمغريات شتى حتى يضعفوك وتبتعد عن دينك الذى أرتضاه الله لك ، وللأسف أنت تمضى وراءهم .
رابعا : لن تقوم للأمة قائمة إلا إذا أنتهجت نهج سلفها الصالح حينما تحولوا من رعاة للغنم .. الى سادة للأمم ، وذلك باتباع دينهم وسنة نبيهم .
وكل مانشكو منه من أزمات ، وغلاء ، ووباء ، كل ذلك يتلخص فى طرح البعض الدين وراء ظهره ،
او أخذوا الدين على أنه مظهر فى جلباب قصير ، او لحية طويلة ، او أنه مجرد بعض عبادات يغعلوها بحركات
ولكنهم غير متخلقين بأخلاق الاسلام الحق ، فتجد الانسان يصلى ومع ذلك يمشى بالغيبة والنميمة بين الناس ، تجده يصوم ،
وربما يحج وهو آكل لميراث اخوته وأخواته ، وهو يظلم أو يرتشى ، وهو سئ الخلق ، وللأسف تجد بعضهم يثنون عليه ويشجعونه .
تجده يتكلم بالآية والحديث ثم يكشف عن عباد الله وإماء الله ستر الله الذى ستره عليهم .
فأصبحنا نعرف الاسلام بالمظهر وليس بالجوهر ، اصبح الاسلام بالنسبة لنا انه شعائر جوفاء ، افرغناها من مضمونها ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )
قول رسول الله ( الصوم جنة فاذا كان صوم احدكم فلا يرفث ولايفسق )
( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه )
لذلك بعدنا عن جوهر الاسلام فأصبح هذا هو مآلنا
( فإما يأتينكم منى هدى ، فمن أتبع هداى فلايضل ولايشقى ، ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكى )
فهل مع احتفالنا بهجرة نبينا تكون عودة لصحيح إسلامنا ، وهجرة حقيقية من التخلف الى العلم ،
ومن الهدم الى البناء ، ومن غضب الله الى التوبة والعودة الى الله ….!


































































