دُروس من العُدوان ومن المُقاومة
بقلم – الباحث الجيوسياسي
د./ نورالدين سعد
بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا و الاستراتيجية
دُروس من العُدوان ومن المُقاومة
نشرت مؤسسة الثقافة الإستراتيجية ( روسيا) دراسة بتاريخ الثامن والعشرين من حزيران/يونيو 2025، عن تكاليف العدوان سواء للطرف المُعتدِي ( الكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية) أو المُعْتَدَى عليه ( إيران)، وتكمن أهمّيّة الدراسة في تحليل الوثائق والتصريحات الرسمية لاستكشاف مصادر تمويل الحرب التي أطلقها الكيان الصهيوني وظلّت مُستمرة منذ تشرين الأول/اكتوبر 2023، واستهدفت الشعب الفلسطيني واللبناني واليمني والسوري والإيراني، وهو تغيير في استراتيجية كيان الإحتلال الذي كان ( ولا يزال ) يعتمد على التفوق العسكري الجَوِّي ويُفضّل العدوان الخاطف والمُفاجئ ويتجنب الحروب الطويلة، ولولا الدّعم الإقتصادي والعسكري والسياسي والإعلامي والمُساندة المُطلقة للإمبريالية الأمريكية والأوروبية وتواطؤ الأنظمة العربية لما تمكّن الكيان الصهيوني من تحمّل عبء هذا العدوان المُستمر منذ 21 شهرًا
قدّرت الدّراسة – اعتمادًا على تصريحات وبيانات رسمية على ما نشرته ومجلة “إيكونوميست” – تكلفة العدوان على إيران بنحو 725 مليون دولار يوميًا، ويشمل هذا المبلغ قيمة التكاليف المباشرة والذخائر ووقود الطيران وغيرها، دون احتساب الضرر الإقتصادي غير المباشر أو الخسائر الناتجة عن القصف الإيراني…
اعتمدت الدّراسة الروسية على عدد من المصادر ومن بينها تحليل نشره الموقع الإيطالي (Antidiplomatico ) الذي يؤكّد على عدم التناسب بين حجم الإقتصاد الصهيوني ( حوالي خمسمائة مليار دولارا سنويا ) الذي لا يمكنه تحمّل عدوان واسع النطاق وطويل الأمد، وحجم العائدات الضريبية لجهاز الدّولة الصهيونية الذي لا يتجاوز 200 مليار دولارا، والإنفاق على العمليات العسكرية ضمن العدوان الحالي الذي فاق سبعين مليار دولارا خلال سنة 2024 لوحدها، وفاقت نسبة عجز الميزانية الصهيونية 8%، وارتفعت نسبة الدَّيْن العام بأكثر من 15% خلال سنتيْن، وبالتّالي فإن الكيان الصهيوني لا يمكنه ( اعتمادًا على هذه الأرقام وغيرها) الإعتماد على موارده الذّاتية لتنفيذ العدوان، بل يُشكّل الدّعم الخارجي ( الحكومي الأمريكي والأوروبي والقروض بفائدة ضعيفة من مصارف وصناديق استثمار أمريكية وأوروبية) موردًا أساسيا، حيث قدّرت الدّراسة قيمة المساعدات العسكرية
الأمريكية المباشرة بأكثر من 130 مليار دولار منذ 1948 أو نحو 15% من الإنفاق الحربي الصهيوني، فضلا عن 3,8 مليارات دولارا سنويا، والمساعدات غير العسكرية والتّبرّعات التي يتم جمعها في الولايات المتحدة وإرسالها لدعم المُستَوْطِنِين، والحوافز والإمتيازات الجمركية مما رَفَعَ حجم التجارة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني إلى نحو خمسين مليار دولار سنويًا، وغير ذلك من المساعدات والمِنَح، وتحرص الولايات المتحدة على استمرار التّفوق العسكري الصهيوني لأنه امتداد للهيمنة الأمريكية، كما يستفيد الكيان الصهيوني من علاقات الشراكة المتقدّمة مع الإتحاد الأوروبي، فضلا عن العلاقات الثنائية المتطورة مع دوَل مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والمجر وبولندا وغيرها…
أظهر العدوان الصهيوني على غزة والضفة الغربية ولبنان واليمن وسوريا وإيران إن دولة الإحتلال جزء من منظومة امبريالية أمريكية وأوروبية، وإن الموارد الذّاتية لدولة الإحتلال لا يمكنها تمويل هذا العدوان المُمتد منذ تشرين الأول/اكتوبر 2023، وكشفت المقاومة الفلسطينية واليمنية وللبنانية والرّد الإيراني حُدُود تماسك الجبهة الدّاخلية لمُجتمع المُستوطنين الصهاينة – رغم الدّعم الأمريكي والأوروبي غير المحدود – حيث أثبتت هذه الحرب إن فلسطين المحتلة ليست مكانًا آمنا للصهاينة، مما اضطر مئات الآلاف منهم إلى مغادرة فلسطين التي حَوّلوها إلى مستعمَرة استيطانية، مع رَدْع المُستثمرين والسائحين والمستوطنين الجُدُد…