ذكرى إنتصار المماليك على فرنسا
محمود سعيد برغش
في معركة المنصورة وفيها أُسر ملك فرنسا وبها ظهور بيبرس وبداية نهاية الأيوبيين وبداية المماليك، وجزيرة الورد أصبح إسمها المنصورة لتخلد نصرا تفتخر به الأمة للأبد
حيث في مثل هذا اليوم.
كانت معركة المنصورة (مصيدة الفرنجة) بين:
الجيش الأيوبي بقيادة فخر الدين الدمشقي ثم فارس الدين أقطاي ثم توران الشاه وعدده 70000 مقاتل
والجيوش الفرنجية بقيادة ملك فرنسا لويس التاسع وعدده 80000 مقاتل
وذلك في 4 ذو القعدة 647 هجري
الموافق في تاريخ 1250/02/08م.
البداية
قاد ملك فرنسا لويس التاسع الحملة الصليبية السابعة وكانت جيوشه أغلبها من فرنسا وبالإضافة لقوات من إنجلترا وقشتالة، وكان هدف الحملة إحتلال القدس، ولكنها أبحرت نحو مصر لإخراجها من الصراع لضمان إحتلال القدس والبقاء بها بأمان، فقاموا بإحتلال دمياط بسهولة عام 1249م، وحينما وصل الخبر إلى سلطان الدولة الأيوبية الصالح أيوب أشتد عليه المرض إلى أن توفي بعد أشهر قليلة، فأخفى القادة الخبر حتى لا تنهار المعنويات، وكان الجيش الأيوبي من المماليك الذين استكثر السلطان الأيوبي الصالح أيوب في جلبهم وتدريبهم وتجنيدهم.
قبل المعركة
قرر الفرنجة التقدم داخل مصر، فاستطاعوا التقدم إلى أن وصلوا إلى بحر أشموم، فأصبحت مياه بحر أشموم هي الحاجز الفاصل بينهم وبين معسكر الأيوبيين، فحصن الفرنجة مواقعهم بالأسوار، وحفروا خنادقهم، ونصبوا المجانيق ليرموا بها عسكر الأيوبيين، وحاول الفرنجة إقامة جسر ليعبروا عليه إلى الجانب الآخر ولكن الأيوبيين ظلوا يمطرونهم بالقذائف ويجرفون الأرض في جانبهم كلما شرعوا في إكمال الجسر حتى تخلوا عن الفكرة. وراحت المساجد تحض الناس على الجهاد ضد الغزاة مرددة الآية القرآنية: ﴿انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، فصار الناس يتواردون من أنحاء مصر إلى منطقة الحرب بأعداد غفيرة.
بداية المعركة والتفوق الفرنجي
في 8 فبراير 1250م بدأ الفرنجة بالهجوم بعد أن عرفوا منافذ يصلوا بها للجيش الأيوبي، واستطاعوا أن يقتلوا قائد الجيش الأيوبي فخر الدين يوسف الدمشقي، وكانت هذه لحظة فارقة في التاريخ، حيث لأول مرة يجد المماليك في الجيش الأيوبي أنفسهم بدون قائد يقودهم، فرفض المماليك الهرب، وتولوا قيادة المعركة بقيادة فارس الدين أقطاي الذي أصبح القائد العام للجيش.
مصيدة بيبرس
وضع بيبرس البندقداري خطة تقضي باستدراج القوات الفرنجية المهاجمة الى داخل مدينة المنصورة، فأمر بيبرس بفتح باب من أبواب المنصورة -جزيرة الورد أنذاك- وبتأهب المدافعين من الجنود والعوام داخل المدينة مع الالتزام بالسكون التام. فبلعت القوات الفرنجية الطعم، فظن فرسانها أن المدينة قد خوت من الجنود والسكان كما حدث من قبل في دمياط، فاندفعوا إلى داخل المدينة بهدف الوصول إلى قصر السلطان، فخرج عليهم بغتة المماليك البحرية والجمدارية يصيحون كالرعد القاصف وأخذوهم بالسيوف من كل جانب ومعهم العربان والعوام والفلاحين يرمونهم بالرماح والمقاليع والحجارة، وقد وضع العوام على رؤوسهم طاسات نحاس بيض عوضاً عن خوذ الأجناد، وسد المدافعون طرق العودة بالخشب والمتاريس فصعب على الفرنجة الفرار، وأدركوا أنهم قد سقطوا في كمين محكم داخل أزقة المدينة الضيقة وأنهم متورطون في معركة حياة أو موت، فألقى بعضهم بأنفسهم في النيل وابتلعتهم المياه.
التراجع الفرنجي
قُتل عدد كبير من القوات الفرنجية المهاجمة، وأثناء المعركة راح الفرنج على الضفة المقابلة لبحر أشموم يكدون ويجدون لإتمام الجسر ليتمكنوا من العبور لمساعدة فرسانهم، ولكن لما وردتهم أنباء سحق الفرسان، راحوا يلقون بأنفسهم في مياه النيل بغية العودة إلى معسكراتهم وكاد لويس ذاته أن يسقط في الماء.
–
وبذلك عاد الفرنجة إلى ذات الموقع الذي باتوا فيه الليلة السابقة على الضفة الشمالية من بحر أشموم، وتحصنوا داخل معسكرهم ثمانية أسابيع يأملون بانهيار القيادة في مصر حتى يتمكنوا من معاودة محاولة التقدم إلى القاهرة.
وصول توران شاه وإنتصاره
لم يتحقق حلم الفرنجة، وبدلاً من انهيار القيادة وصل السلطان الأيوبي الجديد توران شاه إلى المنصورة في 24 ذو القعدة سنة 648 هـ الموافق في 28 فبراير عام 1250م لقيادة الجيش. وبوصول السلطان الجديد أعلن رسمياً في البلاد نبأ وفاة السلطان الصالح نجم الدين أيوب.
وقام السلطان توران شاه بقطع خط الإمداد الفرنجي بين دمياط ومعسكرهم، فأصبح الفرنجة محاصرين في معسكرهم، وبدأ الفرنجة يُعانون الجوع والمرض ويفرون إلى جيش المصري بعدما أصابهم اليأس والإحباط.
وعلى الرغم من هزيمة لويس التاسع وانتهاء حلمه ببلوغ القاهرة بحصاره في مصيدةٍ المنصورة بقواتٍ جائعةٍ ومريضة وخائفة، إلا أنه عرض على السلطان أن يسلمهم دمياط مقابلَ تسليمه بيت المقدس وأجزاءً من ساحل الشام، فرفض توران شاه العرض
في 5 أبريل سنة 1250م وفي جنح الليل بدأت قوات الفرنجة رحلة الهروب إلى دمياط، فتمت مطاردتهم وقتلهم من كل جانب حتى وصلوا إلى فارسكور حيث تم تدميرهم بالكامل ووقع الملك لويس وأمراؤه ونبلاؤه في الأسر، وسجنوا بدار ابن لقمان يومَ 6 أبريل من العام نفسه.
انطلق الحمام من المنصورة بنبأ الانتصار على الفرنجة إلى بالقاهرة، فضُربت البشائر بقلعة الجبل وفرح الناس وأُقيمت الزينات.
نتائج المعركة
1- توقف أوروبا عن إرسال حملات جديدة على مصر والشام لعدة قرون.
2- إقتناع المماليك بقدرتهم على إدارة البلاد فقاموا لاحقا بقتل توران شاه فكانت نهاية الدولة الأيوبية وبداية الدولة المملوكية
3- ظهور بيبرس البندقداري والذي أصبح سلطان مصر والشام بعد سنوات قليلة، وأثبت أنه من أعظم حكام الأمة.
4- أصبح إسم المدينة المنصورة بعد أن كان إسمها جزيرة الورد