سفير العظماء
حوار مع الأديب والشاعر الكبير الأستاذ عبد المنعم كامل
أجرت الحوار غادة سيد
غايته بلوغ الحكمة ولو في الصين، فاحتوى قلبه آيات الذكر الحكيم.
نور البصيرة وعين التجلي سبيلاه وهما الصراط لنيل حب ورضا مولاه.
جُبل على التذوق والفهم،
وبلغ المنتهى في السرد والنظم.
سمت العظماء التواضع. فكان بتواضعه سفير العظماء.
نتعرف على سيادتكم
▪︎الاسم: عبد المنعم كامل
تاريخ الميلاد: 16 أكتوبر 1951
المؤهل: ليسانس في التاريخ ، كلية التربية ، الإسكندرية .
محل الإقامة: كفر الدوار ( بصفة دائمة ) الإسكندرية ( بصفة مؤقتة )
كيف كانت نشأتكم؟ وما تأثيرها على بزوغ موهبتكم الأدبية؟
كان أبي يعمل في أرض أبيه وتجارته قبل ثورة يوليو، وحتى السنوات الأولى بعد الثورة،
وحين بلغت الثامنة من العمر؛
ترك الوالد بيت جدي، وذهب للعمل محاسبا في الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بشهادة البكالوريا التي يحملها، وأصبح أبو حمص – وهو المركز المجاور لمركز كفر الدوار من جهة الشرق –
هو بلده الذي يعمل ويقيم فيه، واصطحب أمي وإخوتي الصغار معه،
وتركني عند جدي في بولين سبع سنوات من 1959 حتى 1966،
كنت أدرس في كُتَّاب القرية، و قد هيأ لي ذلك أن أحفظ القرآن الكريم، إذ كان جدي أزهريا يحفظ القرآن ويجيد العربية.
لكن أصر أبي على نقلي من الأزهر إلى التعليم المدني سنة 1964،
وهكذا انتقلت من الكتاب إلى الصف الرابع الابتدائي في المدرسة التي كانت قد أنشئت في القرية بعد الثورة،
التحقت بالمدرسة الإعدادية في سنة 1966 بعد وفاة جدي بأشهر قليلة،
وهكذا تغيرت حياتي للمرة الأولى تغيرا جذريا،
وكان لذلك دور كبير في معاناتي العقلية بسبب انصرافي عن علوم الأصوليين،
وعن الدرس اللغوي العربي على المنهج الذي كان جدي قد غرسه في روحي.
لم أستطع أن أحب مناهج الدراسة المدنية،
على الرغم من أنني كنت واحدا من الطلاب المتقدمين،
وعلى الرغم من حب أساتذتي لي على مدى حياتي الدراسية،
كما لم أستطع مطلقا أن أحب الدراسة في جامعة الإسكندرية، فقد كنت أنصرف بطبيعتي المنهجية إلى درس تفاسير القرآن
وفيةالحديث الشريف، وأصول النحو وعلوم اللغة، وأتلمس ذلك في كتب ومكتبات أخرى.
شخصيات أثرت بكم في مراحل العمر المختلفة
جدي.. فهو أول من لاحظ أنني أحب الشعر،
فقد وجد بعض الأبيات التي نقلتها في بعض أوراقي من قصائد شعراء جاهليين وإسلاميين ومحدثين،
ولكني حتى وفاة جدي لم أكن قد كتبت شيئا من الشعر،
فقد بدأت محاولاتي الأولى بعد عودة أبي إلى كفر الدوار،
ورجوعي إلى العيش معه ومع أمي، وكان أبي عاشقا لصيد الطيور، فعلمني حمل البندقية وبدأ يصطحبني لممارسة الصيد في جهات عديدة،
في الحدائق الكبيرة وبالقرب من سواحل بحيرة ادكو التي كانت تطل عليها من الجنوب أرضنا الزراعية.
كان لجماعات الأصحاب تأثيرٌ فاعلٌ في مجريات حياتي الأدبية،
فقد عرفت من خلالهم الاهتمام بالآداب الأجنبية وبخاصة الأدب الإنجليزي،
وشجعتني علاقتي بالدكتور محمد زكي العشماوي
أثناء دراستي الجامعية على محاولة إتقان اللغة الإنجليزية،
وتمكنت من قراءة تيار الوعي الروائي عند ديفيد هربرت لورانس ، وجيمس جويس ،
وفرجينيا وولف ، وجوزيف كونراد ، وهنري جيمس،
فأحببت أعمالا مثل أبناء وعشاق
وصورة الفنان في شبابه ، وعوليس حبا كبيرا،
كما قرأت شيئا مما كتبه إليوت في أربعاء الرماد والأرض اليباب وغير ذلك .
وكانت لثورة طه حسين على مناهج التراث العقلية الكلاسيكية
أثرها الذي انعكس على روحي انعكاسا شديد الاضطراب،
فقد أعجبت ببعض طرحه النقدي إعجابا عظيما ،
ورفضت الكثير من توجهاته الفلسفية رفضا بالغ الأثر،
فلم يكن لي – وقد نشأت في كنف رجل أزهري يؤمن بقيم التراث الروحية والعقلية –
أن أتقبل آراء طه حسين بسهولة، فأخذت نفسي بتدبر ما تركه طه حسين من آثار أدبية ونقدية وعقلية ،
وذلك في كتبه الشهيرة مثل : في الأدب الجاهلي ، وحديث الأربعاء، ومن حديث الشعر والنثر، وفصول في الأدب والنقد ، وغيرها.
كما اهتممت بدراسة العقاد في ساعات بين الكتب ومطالعات في الأدب والحياة ، وابن الرومي حياته من شعره ،
وأبو نواس الحسن بن هانئ،
كما اهتممت بدراسة أحمد أمين ومصطفى
صادق الرافعي ومحمد حسين هيكل صاحب رواية زينب ،
وصاحب كتاب جان جاك روسو ،
وصاحب كتاب حياة محمد ،
واهتممت بآثار توفيق الحكيم المسرحية والروائية، وكان لروايته عودة الروح تأثير كبير في حياتي.
أبرز أعمال سيادتكم
الإصدارات الشعرية :
ديوان أسئلة السفر ،
ديوان وعد سارية في مداري،
ديوان يرحل البشاروش حزينا،
ديوان أسماء في أزمنة شتى، ديوان أوراق البراري.
البحوث النقدية :
التجريب في القصة والرواية ، أيديولوجيا العزلة ،
الشاعر والعشيرة.
▪︎ما الذي يستفز سيادتكم للكتابة؟
▪︎كانت معاناة صغار الفلاحين من أقاربي في القرية ،
ومحاولات الدولة لتطوير حياتهم، وتغيير معطياتها الصحية والتعليمية،
سببا في اهتماماتي بالشأن العام، وسببا في تتبعي لجهود الدولة وعملها المستمر،
كما كانت سببا في رفضي لبعض إجراءاتها وممارساتها أيضا،
ولم يستطع قلبي أن يتحمل هزيمتنا في يونيو 1967 ،
ولم يستطع عقلي أن يفهم تناقض التصريحات بين الواقع الحي وادعاءات الدولة عبر قنواتها الإعلامية،
وبدأت التعرف على ملامح الحياة السياسية بين الأكاذيب والحقائق،
واستمر ذلك عنصرا ملازما لتفكيري السياسي على مدار الزمن .
▪︎أحداث مهمة محفورة في الذاكرة لايمكن أن تنساها -عامة أوخاصة- كان لها الأثر في كتاباتكم.
▪︎رحلات الصيد مع أبي حينا ومنفردا حينا آخر كانت أفقا رحبا وغامضا يعيش فيه خيالي ،
يقرأ ويتأمل ويحاول اكتشاف العالم، وربما كانت نزعة التصوير فيما أكتبه من الشعر راجعة في بنيتها إلى تلك الحدائق التي كنت أتجول فيها وإلى سواحل البحيرة التي كنت أصطاد الطيور قريبا منها ،
وإلى سماوات القرية ومنعرجات الطرق بها ،
وإلى طبيعة الحياة وما كان يكتنفها من شعور بالحرية وبكارة العالم
وكانت تلك مساحة من العمر جعلتني أتذكر جدي ومناهجه التعليمية، وزادتني شوقا إلى هذا الدرس القديم،
كما زادتني توترا إزاء انتقالي إلى التعليم المدني، وصرفتني رويدا رويدا إلى أمهات الكتب التقليدية في التفسير والفقه والنحو والأدب.
▪︎ مناصب توليتها أو مشاركات اسهمت في تشكيل حياتكم الأدبية.
▪︎بعد تخرجي من قسم التاريخ كلفتني وزارة التربية والتعليم بالعمل مدرسا للغة الإنجليزية،
فقد كان احتياج الدولة لمدرسي اللغات الأجنبية كبيرا في تلك الفترة،
فكلفت الدولة خريجي قسمي التاريخ والفلسفة بالقيام بهذا الأمر، والتحقت بالعمل في مدرسة إعدادية في بسيون محافظة الغربية ،
وكان لفترة العمل تأثيرها الشديد على وعيي ، وبدأ احتكاكي بحياة الناس في الشارع يزداد عمقا وبدأت معرفتي بقضايا الناس تزداد شيئا فشيئا،
وبدأت قضاياي الأدبية تتغير وتعمق وتكتسب اتصالا حادا بالواقع الاجتماعي ومشكلاته الكثيرة،
مثل مشكلة البطالة والإسكان الصعب، وتغير الهرم الوظيفي، وتغير الأخلاق عقب سياسية الانفتاح الاقتصادي.
وبعد ذلك انتدبني الأزهر للعمل أيضا مدرسا للغة الإنجليزية، واستمر ذلك حتى انتهاء حياتي العملية في سنة 2012 تقريبا
وكنت قد صرت موجها عاما.
ولعل قوة العلاقة بين الطلاب وبيني قد مكنتني من التعرف على كثير من التغيرات في حياة الأسرة المصرية،
وعلى كثير من الاضطرابات المعيشية المادية وانعكاسات ذلك على حياة الأبناء والبنات، وبدأ اهتمامي بكتابة الرواية يظهر خلال فترة عملي بقوة إلى جانب الشعر
▪︎أهم الجوائز والتكريمات التي حصلتم عليها..
▪︎الجائزة الأولى من المجلس الأعلى للثقافة 2004
الجائزة الأولى، أبو ظبي، دار التراث 2005
جائزة النقاد الأولى، المؤتمر الأدبي،
إقليم غرب ووسط الدلتا، الإسكندرية 2007
جائزة النشر الأولى، الشارقة، دولة الإمارات العربية المتحدة 2018.
ونشرت قصائدي مجلة الآداب البيروتية، والموقف الأدبي السورية، والأقلام العراقية، والمجلة العربية بالمملكة العربية السعودية، والتراث الإماراتية، وإبداع المصرية.
▪︎ شخصية تتمنى لو كنت التقيت بها أو تكون فترة وجودها في مشواركم الادبي أطول.
▪︎تمنيت أن ألتقي بدكتور طه حسين وأن تكون فترة وجوده في حياتي طويلة ، لأنني وددت أن أتعرف على تفاصيل خلافه مع الأزهر الشريف ،
وأن أعرف لماذا رفض مناهج الدرس الأدبي في الأزهر ،
وكيف كانت طبيعة هذا الدرس في بداية القرن العشرين،
وتمنيت أن أتعرف على تفاصيل علاقته بالرافعي ،
كيف بدأ الخلاف بينهما
ولماذا كان، وتمنيت أن أتعرف على تفاصيل أكثر من حياته في باريس ودراسته في السوربون،
وتمنيت أن أتعرف على الأسباب الحقيقية التي دفعته إلى إعادة التفكير في الأصول المعرفية التي طرحها في كتابه ( في الشعر الجاهلي )
الذي أصدره سنة 1926 ،
ولكني للأسف حين كبرت وصرت على أعتاب سن الشباب مات طه حسين، غير أني التقيت بزوجته السيدة سوزان وابنته السيدة أمينة حين كنت في السنة الأولى الجامعية،
ولم أتمكن من فتح حوار معهما، فقد كان اللقاء قصيرا أثناء قيام كلية الآداب بتأبين عميد الأدب العربي في شهر ديسمبر 1973 تقريبا
▪︎رسالتكم في الحياة في نقاط.
▪︎كانت وما زالت رسالتي الأدبية فيما أصدرته وما سوف أصدره هي قضيتنا كعرب وكمصريين ومسلمين ،
وهي نضالنا ضد التشرذم والنزعات الإقليمية الضيقة والمغرورة
وضد طمس هويتنا كأمة واحدة من المحيط إلى الخليج،
وضد الوجود الصهيوني في فلسطين ومحاولاته التي لا تنتهي من أجل طمس الوعي وقلب الحقائق ،
ومحاولاته في تأسيس مغالطات حول الدين والجغرافيا السياسية.
كما شملت رسالتي بناء مفهوم فاعل لفكرة الحرية ودورها في تحقيق الانتماء لهذه الأمة الواحدة.
▪︎ مبدأ أو حكمة تؤمن بها ولا تتخلى عنها مهما كانت الظروف. وكانت لها أثر لا يمحى
▪︎لم يكن ما صاحبني طوال حياتي جملة أو قولا مأثورا ،
بل كان حديثا نبويا هو حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الحلال بين وإن الحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ،
ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ،
ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب) رواه البخاري .
ولقد حفظت هذا الحديث الشريف منذ صباي البعيد، وحاولت طوال حياتي أن أتدبره في قولي وفعلي،
وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) رواه الترمذي.
ولقد جمعت بين الحديثين الشريفين في صعيد رؤيوي واحد، فقد كانا مصدرا من مصادر رؤيتي الاجتماعية والسياسية، وأشرت إليهما في ديواني
(أسماء في أزمنة شتى الذي فرغت من كتابته سنة 1993، ونشرته إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية سنة 2018 ، وحصلت به على جائزة الشارقة في الشعر.
▪︎ سؤال لم أسأله وتحب إضافته.
▪︎لا شيء يضاف، فقد غطيت الجوانب الهامة.
فالشكر لك
.
▪︎ ماذا تحب أن تقول في نهاية الحوار؟
▪︎أشكر كل من أسهم في إخراج هذا الحوار للنور، وكل قارئ سيحرص على قراءته قراءة متعمقة.
▪︎لكم جزيل الشكر استاذنا الكبير المبدع على ما أهديتنا إياه من وقتك الثمين، وما اطلعتنا عليه من مقتطفات هامة من حياتك.
نشكرك على الحكمة التي نقلتها لنا مستمدة من فكرك المستنير وقناعاتك الراسخة.
تحياتي وتقديري واحترامي.