عندما تتصدر التفاهة وتضيع البوصلة
بقلم المعالج النفسي
فاطمة الصغير
في عالم يُقاس فيه النجاح بعدد المتابعين، ويُقاس فيه التأثير بعدد الإعجابات، باتت الأمور السطحية تتصدر حياة كثير من الشباب، بل وتتحول إلى معيار للحياة “الناجحة”
ملابس باهظة، تفاصيل يومية لا تُغني ولا تُثمن، مقاطع راقصة، تحديات لا معنى لها، محتوى يُقدم لأجل الضحك فقط، أو لإثارة الجدل… كل هذا أصبح جزءًا من يوميات شبابنا، لا كمجرد ترفيه، بل كمصدر إلهام وقدوة!
والسبب؟ أن من يقف وراء هذه التفاهات – أُناس أصبحوا “مؤثرين” – يحصلون على المال والشهرة والمكانة المجتمعية، دون مؤهل أو جهد حقيقي. فيعي الشاب أن الطريق نحو الثراء والاهتمام لا يمر من بوابة التعب، بل من زاوية الكاميرا الأمامية للهاتف.
* لماذا ينجذب الشباب لهذا النموذج؟
• الرغبة في حياة سهلة ومظهر ناجح بلا تعب.
• الانبهار بالترف والمظاهر المبالغ فيها.
• الشعور بالملل والبحث عن الترفيه بأي شكل.
• ضعف الوعي الإعلامي، وعدم إدراك الفرق بين الواقع وما يُعرض على الشاشة.
* ماذا يحدث على المدى البعيد؟
أزمة هوية… وشعور داخلي فارغ
يفقد الفرد بوصلته الداخلية في وسط دوامة التأثير الخارجي. يبدأ الشاب في مقارنة حياته الواقعية بعالم افتراضي مصمم بعناية كي يبدو مثاليًا، فيشعر بأنه “ناقص”، “متأخر”، “غير كافي”، مما يفتح الباب لأعراض نفسية كثيرة: القلق، الاكتئاب، انعدام الدافعية، والتشتت الذهني.
* كيف تحمي نفسك من دوامة التفاهة؟
🔹 اعرف نفسك… بصدق
ما هي قيمك؟ ما الذي يسعدك فعلًا؟ ما الذي يجعلك تشعر أنك أنجزت؟ اجلس مع نفسك… بعيدًا عن الهاتف، وستندهش من كم الأسئلة التي لم تطرحها على نفسك من قبل.
🔹 فلتر محتواك بوعي
ما تراه يؤثر على ما تفكر فيه، وما تفكر فيه يؤثر على قراراتك ومزاجك… فكن واعيًا بما تتابعه.
ليس كل ما يضحكك مفيد، وليس كل ما يلفت انتباهك يستحق البقاء في يومك.
🔹 ابحث عن قدوة حقيقية
ابحث عن أشخاص لديهم مسار مهني أو إنساني ملهم، تعبوا وواجهوا تحديات ونجحوا بطرق تُثري إنسانيتك، لا تُسطحها.
🔹 تعزيز الوعي النقدي:
علّم نفسك وأبناءك كيف يفرّقون بين الترفيه الفارغ والمحتوى المفيد.
🔹 استثمر وقتك في بناء مهارة
بدلًا من قضاء ساعات في مشاهدة يوميات الآخرين، جرّب أن تبدأ مشروعًا صغيرًا، أو تتعلم مهارة جديدة، أو تقرأ كتابًا في مجال تحبه.
🔹 تواصل مع ناس حقيقيين
العلاقات الواقعية، حتى وإن كانت قليلة، تعيدك لأرض الواقع، وتُذكرك بأن قيمتك ليست على “وسائل التواصل الاجتماعى” بل فيمن يعرفونك حقًا.
في النهاية، لسنا ضد الضحك ولا الترفيه، لكن حين تتحول التفاهة إلى قدوة، نكون قد خسرنا شيئًا من وعينا، ومن قيمنا، ومن قدرتنا على التفرقة بين “من يعيش ليُبهر”، و”من يعيش ليُثمر”.
احمِ نفسك. احمِ وعيك. فالعقل ثروة… لا تُهدرها في متابعة من يستهين بها.