فنون “الديرتي السياسي“
بقلم المستشار / هيثم حجاب
و أحمد حجاب
في قلب قرى منيا القمح، كما في الكثير من النجوع المصرية، تبرز ظاهرة إجتماعية وسياسية معقدة تنضح بالمرارة والعبثية، وهي ظاهرة “الشباب المُبدع” في فنون ما يمكن أن نطلق عليه “الديرتي السياسي” (السياسة القذرة). هذا الإبداع، للأسف، ليس في البناء أو التنمية، بل في التطبيل، والرقص، والانسياق بلا ضمير في خدمة الأجندات الضيقة والمصالح الشخصية لـ “السادة الذين يستأجروهم”.
يتجلى هذا المشهد بوضوح في تحوّل بعض شباب القرى، ممن كان من المُفترض أن يكونوا قاطرة التغيير والبناء نحو الأفضل، إلى أدوات طيّعة ومُحنكة في لعبة محاربة الآخرين وتشويههم. يصبح الشاب، بكامل طاقته وحيويته، خبيراً في صياغة الشائعات، ونشر المغالطات، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو التجمعات العامة كمسرح للولاء الأعمى والمُفرط، كل ذلك من أجل هدف واحد ووحيد: أن يرضى عنه سيده.
الرقص على إيقاع المصالح
ليست المسألة مجرد تأييد أو دعم، بل هي رقصة بالغة التعقيد على إيقاع المصالح. تبدأ الرقصة بـ “التطبيل” المُبالغ فيه، حيث تتحول الإشادة إلى تملق رخيص لا يمت للواقع بصلة. يليه “الرقص”، وهو تعبير مجازي عن التحول السريع والمُبهر في المواقف، والقدرة على الانقلاب على المبادئ والقيم بسرعة مذهلة لضمان البقاء في دائرة الضوء وخدمة “المرشح الذي يعمل له”. أما الأداة الأكثر فتكاً فهي “محاربة الآخرين”، حيث يتم توجيه الطاقات الإبداعية في تصفية الحسابات وإبعاد المُنافسين عن طريق “السيد”، فيصبح الشاب، الذي لا يملك غالباً أي سلطة حقيقية، هو ذراع البطش الإعلامي أو الاجتماعي لسلطة أعلى.
الثمن: “بكم بعت ضميرك؟“
هذا الإبداع المُضلل يطرح السؤال الأكثر إيلاماً ومركزية في هذه الظاهرة: “بكم بعت ضميرك؟”.
هذا السؤال ليس مجرد اتهام، بل هو استنكار للثمن البخس الذي يُدفع في مقابل هذه الخدمة السياسية القذرة. ففي معظم الأحيان، يكون الثمن عبارة عن وعود زائفة بمنصب، أو وساطة في قضاء مصلحة، أو مجرد شعور زائف بالأهمية والقرب من “مركز القوة”. هو ثمن لا يُعادل قيمة الكرامة التي تُداس، ولا يُقارن بحجم الضرر الذي يلحق بالمجتمع والأفراد الأبرياء الذين تتم محاربتهم بلا وجه حق.
إن هذا النوع من الشباب، الذي يبيع ضميره من أجل فتات السلطة أو الاعتراف، لا يخسر فقط كرامته الشخصية، بل يخسر أيضاً احترام قريته ومجتمعه على المدى الطويل، ويُكرّس لثقافة الانتهازية والفساد التي لا تبني وطناً.
الحاجة إلى بوصلة أخلاقية
يجب أن يُدرك شباب منياالقمح، وجميع شباب القرى، أن الإبداع الحقيقي يكمن في المُعارضة البنّاءة، وفي العمل المجتمعي الصادق، وفي التمسك بالمبادئ والأخلاق، وليس في أن يصبحوا أبواقاً أو سيوفاً مأجورة. إن التحرر من أغلال “الديرتي السياسي” يبدأ باستعادة البوصلة الأخلاقية، والرفض القاطع لأن يكونوا مجرد “طبّالين” على مسرح المصالح الرخيصة.
إن قوة الشباب الحقيقية تكمن في الضمير الحي، لا في مهارة الرقص على حبال السادة.