قــراءة في فـقـــــه الطهارة 2
ـللاستاذالدكتورعلاء الحمزاوي الاستاذبجامعة المنيا
متابعة ناصف ناصف
ـ كما تكون الطهارة من شيئين (النَّجَس والحَدَث) تكون بشيئين: بالماء وضوءا وغسْلا وبالتراب تيمما، والنجس يزول بغسله بالماء، والحدث الأصغر يزول بالوضوء، والحدث الأكبر يزول بالغسل، والتيمم يغني عنهما حال تعــذّر استعمال الماء، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، ففي هذا الخطاب القرآني بيان بمدى ارتباط الصلاة بالطهارة وبيان لنوعي الحدث الأصغر والأكبر، ونوعي الطهارة الماء والتراب، وبيان لكيفية الوضوء والغُسل والتيمم وبيان بفلسفة تشريعه وهي التخفيف، وأن التيمم لا يُستعمَل إلا إذا تعذّر استعمال الماء؛ لأن الأصل في الطهارة أن تكون بالماء.
ــ والمــاء أربعة أنواع: ماء طَهور وماء طاهر وماء مستعمل وماء نجِس، والماء الطهور هو الماء الأطهر؛ لأن كلمة (طهور) صيغة مبالغة تعني الأكثر طهارة؛ فهو طاهر في ذاته مطهِّر لغيره، وهو الماء الذي ينزل من السماء أو ينبع من الأرض، وهو المقصود من قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا}، و{قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا}، هو الماء الذي لم يتغير طعمه ولا لونه ولا رائحته، وهو الماء الصالح للطهارة وضوءا وغسلا، وهو يشمل ماء الأمطار والآبار والأنهار والبحار، والمراد بالبحار “البحار المالحة”، فقد سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ”.
ــ والماء الطاهر هو طاهر في ذاته غير مطهِّر لغيره بسبب تغيُّر لونه أو طعمه أو رائحته بشكل بارز كالمياه الغازية والعصائر وماء الطبخ (الشوربة) والماء الراكد في بقعة صغيرة فتظهر له رائحة كريهة، فهذا الماء طاهر في ذاته لكن لا يصلح للطهارة حتى لو صلح للشرب، وهنا سؤال: إذا اختلط ماء طاهر بماء طهور فهل يجوز الوضوء أو الغسل به؟ إذا أثّــر الماء الطاهر في الماء الطهور بأن غيّر لونه أو طعمه أو رائحته لا يجوز التطهر به، وإذا لم يؤثر فيه جاز ذلك.
ــ والماء المستعمل هو الماء الذي سبق استعماله في الوضوء أو الغُسل، وهو طاهر في نفسه غير مطهِّر لغيره، فلا يجوز التطهر به، أما الماء المتبقي في الإناء بعد التطهر فهو ماء طهور.
ــ والماء النجِس كماء البول وماء الصرف الصحي أو هو ماء خالطه شيء نجس كالبول وظهر أثــره فيه، فإذا لم يظهر أثــره فيه فليس نجِسا كـالتبول في النهر، فماء البول لا ينجّس ماء النهر مع أنه غير مستحب التبول في النهر والبحر، لكن ليس حراما ولا مكروها، والماء النجِس لا يجوز التطهر به باتفاق العلماء.
ــ الوضوء له فروض وسنن، فروضه سبعة لا يصح الوضوء بدونها هي: النية وغسل الوجه وغسل اليدين إلى المرفقين والمسح على الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين وتمرير الماء على الأعضاء والترتيب في غسل الأعضاء، وهذه الفروض السبعة منها أربعة وردت في قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}، وثلاثة وردت بها السنة، استنبطها العلماء من وضوء النبي، وهي النية وتمرير الماء والترتيب، وهذا يدل على أن السنة مكملة للقرآن، فهي من الذكر الذي تكفّل الله بحفظه، كما استنبط العلماء من وضوء النبي ثلاث عشرة سنة هي: البسملة وغسل اليدين إلى الرُّسْغَين (نهاية الكف) والمضمضة والاستنشاق والاستنثار ومسح الأذن وردّ اليدين في مسح الشعر والتثليث (الغسل ثلاثا) والتدليك والتيامن (البدء باليمين) والسرعة في غسل الأعضاء بحيث لا يجف الماء من أول عضو عند غسل آخر عضو، والتشهد والدعاء بعد الوضوء، حيث كان النبي يتوضأ، فيسمِّي الله ويغسل يديه ثلاث مرات أول ما يبدأ، ثم يتمضمض ويستنشق ويستنثر (يخرج الماء من الأنف)، ثم يغسل وجهه، ثم يغسل ذراعيه مع المرفقين، ثم يمسح رأسه مع الأذنين، ثم يغسل رجليه مع الكعبين، وينهي الوضوء بالتشهد والدعاء، ولهما فضل عظيم، ففي الحديث “من توضأ فأسبغ الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء”.
ــ ويُلحَق بالوضوء المسحُ على الجوارب والخُفَّين أي (الشراب والحذاء) إذا كان في خلعهما مشقة، ويُشترَط للمسح عليهما أن يلبسهما المسلم على طهارة، ومدة المسح للمقيم يوم كامل (صلاة خمسة أوقات)، وللمسافر ثلاثة أيام كاملة تبدأ من أول وضوء فيه مسح، أما المسح على الجبيرة (التجبيس) فهو جائز بدون شرط ولا مدة إذا تعذر فكها وربطها، وقيل: ينبغي فيها التيمم مع الوضوء، وأرى أنه لا حاجة للجمع بين الوضوء والتيمم لأن في ذلك مشقة، وإذا خلع المتوضئ الجوراب أو الحذاء أو الجبيرة بعد المسح عليها فالأفضل له أن يعيد الوضوء مع أن وضوءه صحيح قياسا على من قص شعره وهو متوضئ فلا ينتقض وضوؤه، وللحديث بقية