قــــراءة في فـقـــه الزكاة 2
ـالحلقة الثانية للاستاذ الدكتورعلاءالحمزاوى الاستاذبجامعة المنيا
متابعة ناصف ناصف
ـ فلسفة الزكاة تحقيق التكافل الاجتماعي بين الناس، فضلا عن أنها طهارة للمنفِق من الإثم وتنقية للمحتاج من الحقد، لذا كان النبي حريصا على نشر ثقافة التصدق بين صحابته، وكان أجودهم فما سُئل إلا أعطى، سأله رجل عطاء فأعطاه غَنما كثيرا، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلِمُوا، فإن محمدا يعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر، وبلغ عطاؤه هو وأصحابه حد الإيثار؛ حتى قال الله فيهم: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} أي يعطون الآخرين رغم احتياجهم، ومن إيثاره أن امرأة أهدته شمْلة (عباءة) فقبِلَها النبي وكان يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة، فلَبِسها فكانت جميلة عليه، فأُعجِب بها رجل، فقال: ما أجملها عليك يا رسول الله! اكسُنيها، فأعطاه النبي إياها مع احتياجه إليها، فلما انصرف رسول الله لام الصحابةُ الرجلَ على تصرُّفه، قالوا له: ما أحسنت في طلبك إياها؛ لأن النبي بحاجة إليه، وقد علمتَ أن النبي لا يُسأل شيئا فيمنعه، فقال الرجل: رجوتُ بركتها حين لبِسها رسول الله لعلي أكفّن فيها، واقتدى الصحابة بالنبي فتصدقوا بما وسعهم.
ــ ورغَّب الشرع المسلمين في التصدق، فقال الله للنبي: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، الصدقة المقصودة هنا هي الزكاة المفروضة، والضمير في {أموالهم} لأغنياء المسلمين أو لهم جميعا كل على قدر استطاعته، و{تُطَهِّرُهُمْ} تنقِّيهم من ذنوبهم، والفاعل هنا إما ضمير الغائب العائد على الصدقة أي تطهرهم هي من ذنوبهم أو ضمير المخاطب وهو النبي أي تطهرهم أنت بهذه الصدقة، وإسناد الفعل للنبي تشريف للمتصدقين أن يكون النبي هو الذي يطهّرهم، وفيه انسجام مع الفعل {تُزَكِّيهِمْ} الموجه للنبي، ومعناه تنمّي بها حسناتهم وترفع بها درجاتهم، والفعلان {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ} يشيران إلى مقامي التخلية والتحلية، التخلية من الذنوب ومساوئ الأخلاق والتحلية بالحسنات ومحاسن الأخلاق، ولابد من التخلية قبل التحلية، و{صَلِّ عَلَيْهِمْ} ادعُ لهم واستغفر؛ لأن {صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} أي أن دعاءك لهم رحمة وطمأنينة، والربط بين الأمر بالصدقة وصلاة النبي عليهم يدل على أن صلاة النبي مرتبطة باستجابتهم للتصدق، أي إذا تصدَّقوا صلَّى النبي عليهم، وكلنا بحاجة إلى صلاة النبي علينا، واختتام الآية بقوله: {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يدل على قبول دعاء النبي للمتصدقين، وفي ذلك تحفيز شديد على التصدق.
ــ لذا صـحَّ في الحديث “ثلاثةٌ أُقسمُ عليهنَّ وأُحدثكم حديثا فاحفظوه: ما نَقَص مالٌ من صَدقة، ولا ظُلم عبدٌ مَظلمة فصبَر عليها إلاّ زَاده الله بها عِــزًّا، ولا فتَح عبدٌ بابَ مسألة إلا فَتح اللهُ عليه بابَ فَقر”، فالنبي يُقسِم أن الصبر على الظلم يزيد العبد عــزًّا والصبر يتضمن العفو، وأن سؤال الناس بدون حاجة يُفقِر صاحبه، وأن التصدق يزيد مال صاحبه بالبركة، وهو أكّده قوله تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} أي مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم فهو يخلفه عليكم في الدنيا ويثيبكم به في الآخرة، وجاء في الحديث القدسي “أَنفقْ أُنفقْ عليك”، وصحَّ أن “ملكين يصبحان كل يوم، يقول أحدهما: اللهم أعط ممسكا تلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط منفقا خلفا”، وربط الله دخول الجنة بالإنفاق السخي، فقال تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} فالبر هو الجنة.
ــ وفي المقابل رهَّب ربنا من مَنع الزَّكاة، فقال تعالى: {والذِين يَكْنِزون الذَّهبَ والفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبيل الله فَبَشِّرهُمْ بَعَذابٍ أليم يومَ يُحمَى عَليها فِي نار جهنَّم فَتُكْوَى بها جِباهُهُم وجُنوبُهُمْ وظُهُورُهُم هذا ما كنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُم تَكْنِزُون}، عبَّـر عن التهديد بالبشرى من باب التهكم والسخرية كقوله تعالى للكافر: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}، والمراد بالكنز هنا كل مال لا تُـؤدَّى زكاته؛ لذا جاء في الحديث “ما مِن صاحب كنز لا يُؤدِّي زَكاته إلاّ أُحمي عليه في نَار جهنَّم فَيُجْعَلُ صفائِح، فتُكوى بها جَبْهَتُه وجنباه، حتى يحكُم الله بين عِباده في يوم كان مِقدَارُه خَمسين أَلف سَنةٍ، ثم يَرى سبيله إما إلى الجَنَّة وإمّا إلى النّار”، وللحديث بقية.