كتبه الحسيني الطاهر
كنت طالبا في كلية الضباط الإحتياط، كنا مقسمين كفصائل الفصيلة بها ثلاثمائة فرد، وتصادف أن زميل لي فقد بطانية من عُهدته، مما إضطره الى التسلل الى أحد العنابر الأخرى لسرقة بطانية ليعوض التي فقدها. لم يكتفي صاحبنا بسرقة بطانية واحدة بل سرق إثنتين حتي يكون معه رصيد يواجه به أي عجز في المستقبل. لم يمضي أسبوع واحد إلا وأصبح هناك فقد لإثنان وخمسون بطانية في الفصيلة. اذكر حينها أن قائد الفصية تصرف على نحوٍ عبقري، فلقد قرر جمع الناس وعمل ما يسمى فرش متاع. سألنا عن معني كلمة فرش متاع فعلِمنا أن كل واحد منا سوف يستعرض أمام قائد الفصيلة وضباط الصف محتويات مِخْلاته العسكرية، وذلك لحصر النواقص. حينها وجدت زميلي في العنبر يقولي لي: عندي بطاطين زيادة تحب أعطيك كام واحدة. أجبته إنني لا أحتاج فعهدتي ثلاث بطاطين وهي معي كاملة. لحظات وجاء زميل آخر وثالث ورابع كل منهم يريد ان يعرض علي خدماته. كان القائد عنده من الذكاء والحكمة الكثير الذي جعله ومن معه من ضباط الصف يغضون الطرف عن تبادل الأمتعة فيما بيننا، كنا نصطف كخط مستقيم، كل واحد أمامه مِخْلاته لإستعراضها أمام القائد. كان كل فرد معه بطانية زائدة يُلقي بها في منتصف المسافة بين الصف الذي نصطفة وبين القائد الذي يقف أمامنا على بعد أمتار، والذي تجاهل عن عمد أن ينظر الى اولئك الذين يلقون بفائض بطاطينهم، وكان الآخرون ياخذون من هذا الفائض لتعويض العجز الذي ظهر عندهم. بدا القائد وكأنه مشغول بأشياء أخرى حتي ضمن أن كل من لديه زيادة تخلص منها، وأن كل أصحاب النقص إستعوضوا من هذه الزيادة ما ينقصهم. بدأت عملية فرش المتاع واحداً تلو الآخر، كانت المفاجئة عندما تم حصر النواقص في نهاية الأمر ليظهر أن هناك عجز في بطانية واحدة فقط. لم يكن هذه المرة النقص عند صديقي في العنبر بل كان شخص من عنبر آخر. كنا جميعا كنا مدركين ان سبب هذا العجز هو البطانية التي فقدها زميلي في العنبر. عموماً رضي القائد بهذا العجز، وبعد إسبوع من الزمن وأثناء ترتيبه لسريره رفع زميلي مرتبة سريرة ليجد البطانية التي كان يظُن أنها سُرِقَتْ منه، موجودة أسفل مرتبة سريرة. إذن لم تكن هناك حادثة سرقة بالأصل. فقط توهم صديقي هذا، فعالج الخطأ بخطأ فصار هناك عجزا لإثنين وخمسون بطانية. ذهب صديقي سراً لذلك الذي ظهر عنده العجز وأعطاها له. يقينا لم يقصد زميلي أن يُحدث كل هذه الرَّبْكة التي حدثت كل ما قصده هو أن يستعوض النقص الذي ظنه عنده. لقد سرق صديقي بطانية واحدة لكنه كان السبب وراء أن أثنين وخمسون شخص يسرقون، فضلا عما تسببه من إرباك لزملائه وقائد الفصيلة. الفساد كرة ثلج لاتنظرإلى صغرها حين تبدأ ولكن تمعنها وهي غول ضخم لا يبقى ولا يذر.