كيف تتدمقرط
بقلم: أسامة حراكي
إن ركزنا على الواقع الديمقراطي العربي والأسباب التي تدفع إلى تعثر المشروع الديمقراطي، فسنجد أن الفكرة المهمة التي نفتقدها تتمثل في إمكانية تحقيق وجود فعلي للديمقراطية في العالم العربي، ودراسة شروطها وكيفية ممارستها على أرض الواقع، فتقدم الديمقراطية أو تراجعها في العالم العربي في فترة زمنية ما يتوقف على تحليل سياقين معينين: الأول جدلية الهبوط والصعود بما يفسر التقدم النسبي للديمقراطية أو تراجعها في العالم العربي، والثاني دور العصبية القبلية.
فغياب التفسير وتضخم دور العصبية القبلية يؤديان إلى عدم توافر الشروط المؤدية إلى قيام عقد اجتماعي بين المواطن والدولة، بسبب العصبية الدينية حيناً والعصبية القبلية حيناً آخر، وأي حوارات تُجرى تكون منقوصة لأنها لا تتأسس على قواعد العملية الديمقراطية الحقيقية التي تعترف بالمعارضة والرأي الآخر كشريك في السلطة، حيث إن أغلبية الأنظمة السياسية والطبقة الحاكمة في العالم العربي تستخدم مقدرات الدولة بهدف البقاء في الحكم ولا تعترف بالاختلاف السياسي.
إذاً فالعقبات التي تقف في وجه بناء الديمقراطية في العالم العربي ومناقشة النظريات الغربية مثل (الفردية، ودور المجتمع المدني، وحيادية الدولة) كمنطلقات غربية يسعى الغرب إلى فرضها على المجتمعات العربية، هذه العقبات تبدو واضحة تماماً فى سلوك الفكر الاستشراقي الغربي الذي يتناول مفهوم الديمقراطية في العالم العربي من أجل إرساء قواعد جديدة في هذا الإطار، فالجهد الغربي المفروض على العالم العربي لم يؤدِّ إلى تأسيس الحكم الديمقراطي لأنه لا يأخذ في الاعتبار خصوصية الحالة العربية، ومثال على ذلك نموذج العراق بعد الاحتلال الأمريكي، فالمحاولات الأمريكية التي سعت لتدشين الديمقراطية في العراق خصوصاً، وفي الشرق الأوسط عموماً، تحت مسمى مبادرة الشرق الأوسط الجديد، لم تنتج ديمقراطيات حديثة، ما جعل الانتقال إلى الديمقراطية ظاهرياً وليس فعلياً.
أما عن تقبل المجتمعات العربية للديمقراطية، أو بمعنى أدق كيف تتدمقرط دول العالم العربي من خلال الانتخابات التي توصف بالديمقراطية، فإنها للأسف عملية ديمقراطية في الشكل تخفي نوعاً من الديكتاتورية العميقة داخلها، خصوصاً أن الطبقة السياسية للأنظمة السابقة تعيد إنتاج نفسها، مستغلة أن جزءاً كبيراً من الجمهور العربي لا يملك الوعي الكافي في هذا المجال.