لاكرامة لوطن تنتهك فيه الطفوله
محمود سعيد برغش
لم نكد نلملم جراحنا من قضية ياسين، حتى داهمتنا مأساة جديدة أشد قسوة، وأكثر مرارة. طفلة جديدة تُغتصب، وجسد بريء يُنتهك، لا لشيء إلا لأنها وُلدت في وطن باتت فيه البراءة مطمعًا، والضعف ثغرة في جدار العدالة المهترئ.
في قرية العطارة بمركز شبين القناطر، سقطت الطفلة “مريم”، ذات الأعوام التسعة، ضحية جديدة لوحش بشري تسلل إليها في غفلة من القانون، واختبأ خلف لقب “خفير أمن”. مكان الجريمة؟ وحدة صحية تحت الإنشاء، من المفترض أن تكون رمزًا للشفاء، فإذا بها تتحول إلى مسرح للعار والانتهاك.
عشرة أيام كاملة ظل المجرم طليقًا، يبتسم في وجه الناس، ويمارس مهامه، بينما كانت الصغيرة تُخفي وجعها تحت وسادتها، تخشى أن تبوح، بعد أن غرس المجرم في قلبها الخوف قائلاً: “هعورك لو قلتي لحد”.
أي وحشية هذه؟ وأي دولة تلك التي يحتاج فيها كشف جريمة مكتملة الأركان إلى عشرة أيام من الصمت والذعر، قبل أن تتحرك الجهات المسؤولة؟
النيابة أمرت بحبسه، نعم. والطب الشرعي بدأ إجراءاته، حسنًا. ونقابة المحامين تحركت للدفاع عن مريم، خطوة مشكورة. لكن أين الدولة؟ أين وزير الصحة؟ أين وزارة الداخلية؟ أين مجلس الطفولة؟ أين صوت البرلمان؟
هل يكفي أن نُدين؟ هل يكفي أن نحبس الجاني ونصمت؟ ماذا عن مريم؟ ماذا عن نفسيتها؟ مستقبلها؟ كرامتها؟ من يعيد لها طفولتها المسلوبة؟
إن مريم اليوم ليست مجرد طفلة، إنها رمز. رمز لواقع مرير يعيش فيه الأطفال تحت تهديد الفقر، والجهل، والفراغ الأمني. وإن لم تكن هذه الحادثة جرس إنذار يدوي في وجوه الجميع، فاستعدوا لطفلة أخرى غدًا… وطفل بعده.
نطالب بتحقيق عاجل وشفاف. بمحاكمة علنية تُذاع على الهواء. بتشديد العقوبات لتصل إلى الإعدام العلني لكل من يعتدي على براءة الأطفال.
فلا كرامة لوطن تُنتهك فيه الطفولة… ولا عدالة تُمارس فيها الرحمة على مغتصب!