بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
إنَّ ثمّةَ فوارقٌ بيننا وبين أسلافنا – رحمهم اللهُ – فهم الأصولُ ، ونحن الفروعُ ، وبينَ الأصلِ والفرعِ كما بين المشرقِ والمغربِ ، إذ كانت عقائدهم ثابتةً راسخةً رسوخَ الجبالِ ، أما نحن فعقائدنا مهتزةٌ طالما أصابها رذاذُ الشركِ ، وأدرانُ الإلحادِ ، هممهم قويةٌ ، وهممنا خائرةٌ ، سلوكياتهم مسقيمةٌ ، وسلوكياتنا معوجّةٌ ، عرفوا الطريقَ ، وثبتوا عليه ؛ لأنهم استضاءوا بنورِ الوحيينِ – الكتابِ والسنّةِ – ونحن ضللناه ؛ لأننا خلّفنا الوحيينِ ورءانا ظِهريّاً ، كان مجالَ تنافسهم الآخرةُ ، ونحن تنافسنا الدنيا حتى كادت أن تهلكنا كما أهلكتْ من قبلنا ؛ لذا كانوا غيرنا حتى ليصدقُ علينا قولُ مجاهد – رحمه اللهُ – : ما المجتهدُ فيكم إلا كاللاعبِ فيمن كان قبلكم ” ، وللهِ درّه فعصاتهم كانوا أسلمَ عقيدةً من طائعينا ، ولصوصهم كانوا أفقهَ من متعلمينا ، وهذان نموذجان من لصوصهم تعلمّتُ منهم ما افتقدته عند غيرهم :
النموذج الأولُ :
كان سهيل بن عمرو في سفر هو وزوجته، وأثناء الطريق اعترضهم قُطّاع الطُرق، وأخذوا ما معهم من مال وطعام، وجلس اللصوص يأكلون ما حصلوا عليه .
فانتبه سهيل أن قائد اللصوص لايشاركهم الأكل !
فسأله : لم لا تأكل معهم ؟
فقال اللص : إني صائم !
فدُهش سهيل وقال له : تسرق و تصوم ؟!
فقال اللص : (إني أترك باباً بيني وبين الله، لعلّي أن أدخل منه إلى الجنّة)
ثم ترك اللصُ سهيلَ بن عمرو وزوجته بعد أن أخذ أموالهم وقال لهم : اذهبوا .
وبعدها بعامين كان سهيلُ بن عمرو في الحج عند الكعبة، فالتقى بزعيم اللصوص الذي سرقه قبل سنتين وعرفه من وجهه، وكان هذا اللص قد تاب، وترك ما كان عليه، وأصبح عابداً لله، فضحك سهيل وقال: (من ترك بينه وبين الله باباً دخل منه يوماً ما).
هذه هي قصةُ اللصِ الأول ، وتعلمّتُ منه ما يلي :
– حسنَ الظنِ بالله عملاً بقوله – سبحانه وتعالى – : ” أنا عندَ ظنِ عبدي بي ، إن خيراً فخيرٌ ، وإن شرّاً فشرٌ ” رواه الطبراني في المعجم الأوسط .
– الثقةَ في اللهِ ، وحسنَ التوكلِ عليه .
– أنَّ بابَ التوبةِ مفتوحٌ ، فاللهُ يبسطُ يده بالنهارِ ؛ ليتوبَ مسيئو الليلِ ، ويبسطُ يده بالليلِ ؛ ليتوبَ مسيئو النهارِ .
– عدمَ اليأسِ أو القنوطِ من رحمةِ الله مهما بلغتْ الذنوبُ ، وتراكمتْ الأوزارُ .
– مزاحمةَ المعصيةِ – إذا لم نستطعْ تركها – بالطاعةِ ؛ لأن من مداخلِ الشيطانِ إيهامَ المؤمن بأنه لا جدوى من الطاعةِ ما دامت هناك معاصي .
النموذجُ الثاني :
يُروى أن لصاً سرق مالاً من شخصٍ بحقيبةٍ… وعندما فتحها وجد فيها دعاءً يقولُ : ( اللّهم احفظ مالي…ولا تجعله عرضةً للسرقةِ ).
فقال اللصُ لجماعته : إرجعوا المال لصاحبه ، فتعجبوا !! و سألوه لماذا ؟
فأجاب : لا أريدُ أن تهتزَ ثقةُ صاحبِ المالِ في اللّٰه.. فنحن لصوصُ مالٍ ، ولسنا لصوصَ عقائد .
هذه هي قصةُ اللصِ الثاني ، وتعلمّتُ منه ما يلي :
– الحرصَ على العقيدةِ ، وعلى رسوخها لئلا تهتزُّ في نفوسِ معتنقيها ، ولئلا تخبو جذوةُ الإيمانِ في قلوبهم ، إذ العقيدةُ أساسُ قبولِ الأعمالِ .
– أنَّ المؤمنَ لا يُعدمُ الخيرَ أبداً ، فبرغم حاجةِ اللصوصِ إلى ما سرقوه إلا أنهم تركوه حسبةً لله – عزَّ وجلَّ – .
هذا غيضٌ من فيضٍ ، قليلٌ من كثيرٍ ، وأتساءلُ متعجباً : إذا كان هذا حالُ العصاةِ منهم ، فما بالُ الطائعين ؟!
اللهم ردّنا إلى دينكَ ردّاً جميلاً ، واهدنا إليك طريقاً قويماً ، واجعلنا نسعى إلى رضاكَ ولا نبغي عنه تحويلاً .