كتب : رءوف جنيدى
لعنة السد
لا أخفيكم سراً : كلما مرت مناسبة قومية تشير إلى إنتصارٍ ما أو إنجازٍ ما . لاحقنى معها شبح هذا السد اللعين . وأتخيل فزعاً أن هذا النهر العظيم قد جف . وإنحسرت مياهه فى قاعٍ موحل تتلبط فيه الزواحف والطيور . يلاحقنى شبح هذا الخِناق الخرسانى القابض على عنق النيل . هذا الجاثم على صدر كل فرحةٍ فيطفئ عندى بريقَها . الكاتم على أنفاس كل احتفالٍ فيُخرجه منقوصاً لا يملأ صدرى . تذكرته يوم الشهيد فحزنت : هل تضيع أرواحُ الشهداء سدى ؟! . تذكرته يوم العاشر من رمضان فسرحت : هل تذهب تضحيات الرجال أدراج رياحٍ أثيوبية رعناء ؟! . تذكرته يوم تذكرت مشروع تطوير الريف فقلت : وماذا يُجدى تطوير الريف إن جفت ترعه وقنواته وتشققت أرضه . تذكرته يوم تذكرت قناة السويس بتفريعتها وتطويرها فقلت . بماذا تنفعنا عشرات القنوات طالما أن الماء الذى يجرى فيها ماءٌ مالح . تذكرت المساكن والطرق والكبارى . قلت : بماذا يُفيد كل هذا لو أننا جرينا يوماً وراء عربات توزيع المياه بالجراكن والأوانى . ( عسى ألا يحدث أىُ شئ من هذا ) ..
تذكرت عيد تحرير سيناء . وبالرغم من عدم معرفتى بما يدور الآن فى كواليس السياسة بشأن سد النهضة ولا لأى نقطةٍ وصلنا بإستثناء الجولة المكوكية للسيد وزير الخارجية . إلا أننى وبمناسبة عيد تحرير سيناء انتشيت وقلت فى نفسى : إن سيناء لم يحررها التفاوض وإنما حررها جيش أجبر العدو على قبول التفاوض . صحيح : أن من فعلها على الإتجاه الإستراتيجى الشمالى الشرقى . قادر أن يفعلها فى أعماق الإتجاه الإستراتيجى الجنوبى ولكن لى رؤية بنكهةٍ عسكرية :
خاضت مصرٌ حرباً دفاعية فى عام ١٩٦٧ . فُرضت علينا وفُرض علينا توقيتُها . وخاضت مصرٌ حرباً هجومية ( وهى بالمناسبة أنجح صور المعارك ) فى عام ١٩٧٣ . فرضناها نحن على عدونا وفرضنا عليه توقيتها . واليوم تفرض علينا أثيوبيا حرباً بمواصفات خاصة . حرباً تركت لنا فيها حرية القرار فى أن نكون نحن الطرف المهاجم . وأن نختار أيضاً التوقيت الذى يناسبنا …
تُرى :
هل المهاجم متخاذل ؟ …. ( لا أظن ) ..
هل المهاجم ليس غير قادر أو ليس لديه الإمكانيات ؟ …. ( لا أظن ) ..
هل العدو الذى وضع نفسه لقمةً سائغة وصعر لك خده أرعن ؟ …. ( لا أظن ) ..
هل يستدعى الموقف قدراً كبيراً من الغرابة والدهشة والتفكر والتريث ؟ …. ( أظن ) ..
هل العدو الذى فصَّل لك معركةً خاصة . وترك لك حرية أن تكون فيها المهاجم ومُتخذ القرار ومَن تحدد التوقيت والطريقة والوسيلة وأيضاً تحقيق المفاجأة ساذج ؟ ……. ( لا أظن ) …
ورغم تساؤلاتى هذة التى تضع المهاجم فى حيرة من أمر عدوه : أتمنى أن تأتى إحتفالات السادس من أكتوبر القادم . ولا أتذكر السد فيفسد علىَّ فرحتى ..
سيدى الرئيس : صحيح ( وعلى قدر علمنا ) أن الموقف متداخل ومتشابك ومعقد ومقلق ومُحيِّر ولذا : فإننا لا نتعجل قراراتك أيا كانت . وحاشا أن نتدخل فى خياراتك ( كلمةً كانت أو طلقة ) .. ولكن لو أن توقعاتى عن جفاف النهر صحيحة . إذاً فقد كُتب علينا القتال . صحيح هو كره لنا . ولكن العطش أشد كرهاً .. نعلم أن تريثكم هو للخروج من الأزمة بأقل خسائر ممكنة .. ولكن يافندم إذا كان فى القتال خسائر . ففى عدم القتال فناء ..
( أفَرءَيتُم الماء الذى تشربون # ءَأَنتُم أنزلتموه من المُزْنِ أم نحن المنزلون # لو نشاء جعلناه أُجَاجاً فلولا تشكُرون ) .
فما أنزل الماء الذى نشربه من المُزْن إلا الله .
ولن يجعله أجاجاً إلا من أنزله .