لماذا قـاسم سليمـاني من جديد؟!
بقلم عبير مدين
بعد أن نفت إيران في السابق علاقتها بطوفـان الأقـصى وصرح مسؤلوها بأن قادة حمـاس هم المسؤولون عنها لكنها تدعم الفلسطينييـن في كفاحهم ضد إسرائيل
جاء ليجدد الاحزان مقتل القيادي الإيـراني رضي مـوسوي قائد المكتب ٢٢٥٠ وهو وحدة الإغاثة بفيـلق القدس في سوريا والمختص بتقديم الاغاثات والدعم اللوجستي لاذرع إيـران في المنطقة العربية وخاصة حـزب الله في لبنان
رضي مـوسوي رفيق درب الراحل قـاسم سليمانـي الذي عاد إسمه يتردد من جديد بقوه وكأن إيـران مازالت كرامتها تنزف دما منذ اغتياله بغارة أميركيـة على أرض العراق بأوامر من ترامب رئيس أمريكا في هذا الوقت ليلحق به بعد أشهر من مصرعه وبنفس الطريقة لكن بغارة إسرائيلية على مزرعة بسوريا.
فجاء الرد الايـراني على اغتيال رضي موسوي على لسان أحد مسؤوليها يقول أن عملية طوفان الأقصى أحد وسائل الانتقام الإيـراني لمقتل قـاسم سليمانـي!
ونحن هنا أمام خيارين إما أن حماس تكذب وأنها تنفذ أجندة إيرانية دفع ثمنها المدنيين الأبرياء من سكان قطاع غزة، أو أن إيران تكذب وتريد سرقة مجهود حماس وتنسبه لنفسها على أنه أحد أوجه الانتقام لمقتل قـاسم سليمانـي وليس تحرير الأقـصى أو إيمانا منها بعدالة القضية الفلسطينية
لكن لماذا مازالت إيران تبكي مصرع قـاسم سليمانـي؟!
لانه وباختصار يعتبر “رمزا للدولة العميقة” في إيران، والتي يسيطر عليها المـرشد الأعلى علي خامنئي، وأعوانه من قادة الحرس الثـوري وفيـلق القدس وغيرهم من التيارات المتشددة وجماعات الضغط التي تهيمن على مفاصل الدولة في إيران، فكان دور سليمـاني لا يقتصر على السياسة الداخلية فقط، بل برز اسمه كعقل مدبر للعمليات الإرهابيـة الخارجية التي ينفذها فيـلق القـدس الذراع العسكري والأمني للحـرس الثـوري الإيـراني في المنطقة والعالم بقيادته حيث تم تصنيفه كواحد من أخطر الارهابيين في العالم.
كانت أول مهمة له في صفوف الحـرس إرساله إلى غرب إيـران، حيث انتفض الأكراد للمطالبة بحقوقهم القومية بالتزامن مع انتفاضات الشعوب غير الفارسية الأخرى كالتركمان والعرب الأهوازيين ضد النظام المـلالي الايـراني فبدأ قـاسم سليمانـي حياته العسكرية بالمشاركة في قمع انتفاضة الأكراد على جبهة مهاباد، عام 1979، ثم انضم إلى الحرس الثـوري في العام التالي عندما تطوع للمشاركة في الحرب الإيـرانية – العراقية (1980-1988 ) حيث أصبح قائدا لفيـلق “41 ثأر الله” بالحـرس الثـوري وهو في العشرينيات من عمره، ثم رقي ليصبح واحدا من قادة الفيالق على الجبهات
بعدها تولى سليـماني قيادة “فيـلق القدس” عام 1998، حيث اشترك بعد عام مع قوات الحـرس الثـوري وجماعات الضغط المتطرفة المقربة من المرشد خامنئي والأنصار المتشددين لنظام إيران الديكتاتوري في قمع انتفاضة الطلاب في يوليو 1999.
ووفقا لتحقيق نشرته صحيفة “نيويوركر” الأميركية، أجراه الصحفي ديكستر فيلكين، فإن سليمـاني سعى منذ تسلمه قيادة فيـلق القـدس (إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط ليكون لصالح إيـران، وعمل كصانع قرار سياسي وقوة عسكرية يغتال الخصوم، ويسلّح الحلفاء).
ومع مرور السنوات، بنى “فيـلق القدس” شبكة أصول دولية، بعضها مستند إلى الإيـرانيين المغتربين الذين يمكن استدعاؤهم لدعم المهمات وآخرين من حـزب الله والميليشيات العراقية التابعة للحـرس الثوري، تتمثل في تصفية المعارضين الإيـرانيين في الخارج ومهاجمة أهداف في دول عربية وغربية.
كما نظّم سليـماني هجمات في أماكن بعيدة مثل تايلاند، نيودلهي، لاغوس ونيروبي يشار أنها على الأقل 30 محاولة خلال عامي 2012 و2013 وحدهما، تشير التحقيقات إلى أن أكثر محاولات فيـلق القدس شهرة، كان مؤامرة في العام 2011 لاستئجار خدمات شبكة تهريب مخدرات مكسيكية لاغتيـال السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية، عادل الجبير، وهو يتناول الطعام في أحد المطاعم على بعد كيلومترات قليلة من البيت الأبيض.
شارك منذ عام 2012 في إدارة تدخل الحـرس الثـوري وحزب الله اللبناني وميليشيات عراقية في معارك سوريا خاصة معركة القصير في محافظة حمص بسوريا، وأشرف عليها بنفسه، تولى سليمـاني قيادة ميليشيات الحشد الشعبي مع مستشارين آخرين من الحرس الثوري في معارك الفلوجة ضد تنظيم “داعش” وبرز دوره في العراق منذ ظهوره على جبهات ضد تنظيم “داعـش” في منتصف عام 2014، نددت القيادات السياسية العراقية بدوره في تحويل تلك المعارك وخاصة معركة تحرير الفلوجة، إلى حرب طائفيـة في العراق حيث اعتبروه عراب التفرقة والفتن في ارض الرافدين.
ولم يختصر الإرهاب الإيـراني في الخليج من خلال فـيلق القـدس الذي كان يترأسه قـاسم سليمـاني على الأعمال التخريبية والتفجيرات ودعم الخلايا الإرهابيـة في السعودية، بل امتد الى الكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة من خلال زرع خلايا مسلحة وشبكات تجسس لزعزعة الأمن والاستقرار في هذه الدول.
أبرز المهمات الفاشلة لسليمـاني هي محاولته لعب دور في دعم الحوثيين في اليمن، المهمة التي أفشلتها عملية عاصفة الحزم، بقيادة المملكة العربية السعودية لإعادة الشرعية في اليمن.
وتقول مصادر إيـرانية إن سليمـاني أخطأ في حساباته عندما أكد للمرشد الأعلى الإيـراني علي خامنئي، أن السعودية لن تهاجم، فكانت المفاجئة التي جعلت إيران في موقف اضطرت فيه إلى التخلي عن حلفائها الحوثيين.
وكشف مصدر مقرب من حـزب الله اللبناني عن أن قائد فيـلق القـدس قاسم سليماني تعرض لخيانة أودت بحياته، فقد كشف أحد قادة حـزب الله اللبنانـي تفاصيل خط سير رحلة سليمانـي الأخيرة خلال الساعات الأخيرة من حياته فعلى ما يبدو أنه كان يخضع للمراقبة الشديدة منذ اللحظة التي وصل فيها إلى دمشق قادما من طهران الخميس الثاني من يناير 2020، وحتى لحظة اغتياله في بغداد فجر اليوم التالي الجمعة.
سليمانـي وصل مطار دمشق، ولم يلتقِ أحدا في العاصمة السورية أبدا بل انتقل مباشرة من الطائرة إلى سيارة أقلته إلى العاصمة اللبنانية بيروت، حيث التقى هناك بالأمين العـام لحـزب الله حسـن نـصر الله حيث ناقشا هناك آخر التطورات في العراق لساعات عدة، خاصة ما تعلق منها بالغارة الجوية الأميركية التي استهدفت حينها كتائب حـزب الله العراقي في العراق وسوريا، والهجوم على السفارة الأميركيـة في بغداد في ذلك الشهر.
الهدف من المحادثات كان المساعدة في تنسيق عمل الفصائل المسلحـة التي تدعمها إيران بالمنطقة، وذلك كي يتم تجهيزها لأي مواجهة محتملة مع الولايات المتحدة.
وعندما وصل سليمانـي إلى مطار دمشق ركب على متن طائرة “أجنحة الشام” في رحلتها المتجهة إلى بغداد، وذلك من ضمن الركاب العاديين، وكان من المفترض للرحلة أن تنطلق في تمام الساعة الثامنة والثلث مساء، بيد أنها تأخرت لسبب مجهول حتى الساعة العاشرة والنصف، وذلك بحسب البيانات العامة لشركة الطيران ويقال انه تم تجنيد موظفين في شركة اجنحة الشام لتتبع تحركات سليمانـي
ليكون في استقباله أبو مـهدي المهندس نائب رئيس قوات الحشد الشعبي العراقية شبه العسكرية الموجود في بغداد الذي تلقى أنباء في الوقت ذاته تقريبا تفيد بأن سليماني قد يهبط في الأراضي العراقية قريبا، ولم تتضمن المعلومات سوى اسم شركة الطيران وموعد الوصول، فاتخذ إجراءات أمنية مشددة للقاءه، لأنه يعد منفذ الرغبات الإيرانية ويعتبر أخطر رجل في العراق من جانب الولايات المتحدة وخصومه العراقيين على حد سواء.
مصدرا أميركي حينها صرح بتلقي الأميركيين معلومات تفيد بأن سليمـاني بعد وصوله سيصطحبه ابـو مهدي المهنـدس إلى منزله في المنطقة الخضراء المحصنة جيدا! وهو يعتبر صديق سليماني وأقدم حلفائه، غير أن طائرة أميركية مسيرة كانت تحلق وتستعد لقصفهما، وما هي سوى دقائق معدودة حتى لقي الرجلان حتفهما في الغارة.
واستغرقت السلطات العراقية ساعات عديدة لتحديد هوية الضحايا الذين تعرض بعضهم للحرق تماما، بيد أنه كان من السهل تحديد هوية سليمـاني، وذلك من الخاتم المميز الكبير ذي الحجر الأحمر الغامق الذي كان يضعه في يده اليسرى لينتهي دوره مع الحـرس الثـوري الإيـراني فجر الجمعة 03 يناير العام 2020 في ضربة أمريكية استهدفت سيارة كان يستقلها بالقرب من مطار العاصمة العراقية بغداد لينتهي دوره الذي حاول به طوال حياته ضرب إستقرار دول عربية وإسلامية وغربية خدمة لمصالح بلاده التوسعية.
