:
مؤتمرات الجمعيات الأهلية… بين الرسالة الإنسانية والتجارة المقنّعة
بقلم الاعلاميه دكتوره
غاده قنديل
في السنوات الأخيرة، ظهرت على الساحة المصرية ظاهرة جديدة تستحق الوقوف أمامها، وهي ظاهرة المؤتمرات التي تنظّمها بعض الجمعيات الأهلية بمقابل مالي مبالغ فيه، وكأن الحضور إلى هذه الفعاليات سيمنح المشاركين “لبن العصفور”!
تُعلن هذه الجمعيات عن مؤتمراتها تحت شعارات براقة مثل تمكين المرأة، دعم الشباب، تنمية المجتمع، بناء الوعي الوطني، ريادة الأعمال… إلى آخره. لكن عند النظر إلى التفاصيل، يُفاجأ المواطن بأن الاشتراك لحضور المؤتمر يتراوح بين مئات أو حتى آلاف من الجنيهات، وكأن الهدف ليس نشر الوعي أو تبادل الخبرات، بل تحقيق أرباح مالية تحت عباءة العمل الأهلي.
إنّ العمل الأهلي في جوهره رسالة سامية تقوم على العطاء والتطوع والخدمة العامة دون انتظار مقابل. فالجمعيات الأهلية التي تحمل روحًا وطنية حقيقية تعمل على خدمة المجتمع ورفع الوعي ومساندة الفئات المحتاجة، وليس على إقامة فعاليات هدفها جمع الأموال أو تحقيق مكاسب شخصية أو إعلامية.
ما يحدث اليوم من بعض الجمعيات هو تحويل النشاط الأهلي إلى سلعة تُباع وتشترى، ويُروَّج لها بأساليب التسويق التجاري: دعاية مكثفة، ووعود براقة بحضور شخصيات عامة، وصور فخمة لقاعة المؤتمر، وكأننا أمام مهرجان استعراضي لا فعالية مجتمعية!
إن أخطر ما في هذه الظاهرة أنها تُفقد المجتمع الثقة في العمل الأهلي الحقيقي، وتشوه صورة الجمعيات الجادة التي تعمل في صمت لخدمة الناس. فحين يرى المواطن أن “المؤتمر” أصبح بآلاف الجنيهات، يظن أن كل الجمعيات سواء، بينما الحقيقة أن هناك من يعمل من أجل الوطن، وهناك من يعمل من أجل “الوجاهة والمكسب”.
لقد آن الأوان أن تكون هناك رقابة حقيقية من وزارة التضامن الاجتماعي على أنشطة الجمعيات، ومراجعة مصادر تمويلها وطبيعة فعالياتها، لأن ما يحدث أحيانًا من تجاوزات يضر بسمعة العمل الأهلي الشريف، ويُفرغ رسالته من مضمونها.
المجتمع لا يحتاج إلى مؤتمرات تُقام في الفنادق الفخمة بديكور مبهر، بل يحتاج إلى ورش تدريب حقيقية، إلى توعية في الشوارع والمدارس والقرى والمناطق الشعبية، إلى أنشطة تُلمس نتائجها في حياة الناس لا في صور السوشيال ميديا.
ولعل الرسالة التي يجب أن نُوجهها هنا واضحة:
> من أراد أن يعمل في المجال الأهلي، فليعمل بقلب نقي، لا بجيوب مفتوحة.
ومن أراد الشهرة، فليبحث عنها في العمل الجاد لا في حفلات التصوير.
إن مصر تحتاج اليوم إلى مؤسسات أهلية وطنية بحق، تعمل في صمت وتُعطي دون مقابل، لا إلى “تجار العمل الأهلي” الذين جعلوا من المؤتمرات وسيلة لجمع الأموال، ومن العمل العام وسيلة للتفاخر لا للبناء.