بقلم الباحث التاريخى الشريف : أحمد ُحزين شقير الُبصيلى
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر جدلا كبيرا بعد تسريب مستند سيارة جديدة من طراز “رولز رويس داون” كابورليه موديل 2020، مدون عليها اسم الفنانة المصرية ياسمين صبري.
وتبلغ قيمة السيارة 6 ملايين و113 ألفا و545 جنيها، كما بلغت إجمالي الرسوم الجمركية عليها 3 ملايين و717 ألفا و137 جنيها، ليصل إجمالي سعرها ما يقارب الـ10 ملايين جنيه، مما أثار دهشة الجمهور بسبب ثمن السيارة التي أهداها إياها زوجها رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة.
ما لفت نظرى بالمنشور انه قد صارت ظاهرة غريبة فى مصر ومتكررة أن يتم استباحة كثير من الناس خاصة الشخصيات العامة التى تتسلل بعض أخبار حياتها الشخصية من زواج أو طلاق أو أى حدث متعلق بتفضيلاتهم الشخصية وطريقة حياتهم وعلاقاتهم الإنسانية أو الاجتماعية وهداياهم.
تتحول حياة الناس الشخصية إلى مادة للسخرية والفكاهة والتندر والهمز واللمز وإبداء الآراء الشخصية فى اختياراتهم ده يتزوج فلانة وده بيطلق فلانه وديه فلانة مش حلوة
و لا يقتصر الأمر على الشخصيات العامة بل هو وباء يتفشى فى المجتمع فى كل الطبقات للأسف، إذا انفصلت امرأة عن زوجها تحاصرها الأسئلة التطفلية السمجة ما هو سبب الطلاق؟ هل الطلاق رغبتك أم رغبته؟ هل ستتزوجين بعد الطلاق؟ وماذا عن الأبناء؟ وهل أحب امرأة غيرك؟ وهل وهل؟ إلى آخر هذه الأسئلة السخيفة التى ليس لأحد الحق فى طرحها على الآخرين.
نحن أمام مجتمع لا يحترم الصمت، ولا يقدر حاجة الناس للخصوصية ورغبتهم فى الحفاظ على حياتهم الخاصة بعيدا عن السوق المنصوبة التى يقبل عليها الناس لتداول ــ وكثيرا تحريف ــ الأخبار المتعلقة بالآخرين وانتهاكا لحقهم فى الخصوصية فيجعلون من أنفسهم أوصياء على حياة الناس دون أن يطلب أحد منهم ذلك.
ما هى المتعة والسعادة التى تتحقق لهؤلاء المتطفلين بتتبع أحوال الناس تارة باسم القرابة أو الجوار أو الزمالة؟ تستطيع أن ترصد مئات وآلاف النقاشات التى تتم على جروبات الفيس بوك أو تطبيق الواتساب ويحتدم فيها النقاش حول أمور شخصية لسيدة ما أو رجل ما.
أعرف فتاة تأخر بها سن الزواج لظروف دراستها ورعايتها لوالدتها وتأجيلها لفكرة الارتباط حتى تنتهى من استكمال رسالة الدكتوراة فى مجال تخصصها، لكن دوائرها الاجتماعية لم تتركها تعيش حياتها كما قررت لنفسها كل يوم يصفعها السؤال الأبله (امتى هنفرح بيكى؟) وكأن الفرحة والسعادة مرتبطة ارتباطا شرطيا بالزواج فقط؟ ووصل الحال بها إلى أنها صارت تصلها شائعات وقصص وروايات وسرديات تحلل تأخر زواجها حتى أصيبت باكتئاب حاد حقيقى ما زالت تتلقى العلاج والعون النفسى للخلاص من آثاره.
لا يقتصر الأمر على النساء وأحاديث النميمة بينهن بل يدمن كثير من الرجال فى مجالسهم نفس الآفة ويجعلون من حياة الآخرين وخصوصيتهم مادة للتسلية وملء الفراغ.
بعض التفسيرات النفسية العلمية ترى أن الشخص الذى يدمن على انتهاك خصوصية الآخرين والتدخل فى حياتهم ولو بالتعليق عليها دون طلب منهم هو شخص غير سوى نفسيا ولديه معاناة نفسية كبيرة تخص حياته فيحاول تخفيف حدتها عبر التطفل على حياة الناس وإعطاء نفسه الحق بالتحول لوصى أو قيِّم على اختيارات الناس وتوجهاتهم.
هل من المنطق أن يصبح المجتمع قامعا للعواطف والمشاعر إلا إذا مرت عبر فلاتر تقييمه وتفضيلاته؟ هل يجب على من يحب أن يستأذن الناس أولا هل يحب هذه أم لا؟ هل يجب على من يتزوج أو يطلق أن يقوم بعمل استبيان رأى لمن حوله قبل اتخاذ القرار حتى لا يقومون بجلده على قراره وتدميره نفسيا بتدخلاتهم وسخافاتهم؟
إن موضوع سيارة رجل الاعمال أحمد أبو هشيمة وزوجته الفنانة الجميلة ياسمين صبرى فتح باب جدل كبير يحتاج حقا للتحليل النفسى لكثير من الشخصيات التى تتداول الخبر والتى تعانى من مرض نفسى بلا شك.
أن أكثر ما يمكن أن يثير ويؤذى مشاعر الإنسان هو التدخل فى شىء خاص به، فالأمور أو الأسرار الخاصة هو الجزء المخفى عن الأعين والذى يحرص أى إنسان طبيعى نفسيا أن يخبئه عن غيره من الناس ليشعر بخصوصيته وعدم إحساسه بأنه مشاع بين الآخرين لأن هذا الإحساس منبعه الأمان، وهو ما يؤدى إلى إحساس الإنسان بالاتزان النفسى والعقلى وغير ذلك من الممكن أن يثير الإنسان بشدة ويجعله فى أزمة نفسيه إذا ما تطور الأمر وزاد التعمق.
فما العائد للموظف الذى أخرج مستند هدية رجل الاعمال احمد ابو هشيمة لزوجته ياسمين ؟ مع نشر بطاقتها ورقمها القومى وعنوان منزلها ومنزل اسرتها!!
انه جريمة كبرى
التفسير النفسى الذى تعلمناه من التحليل النفسى ان من يتدخلون بالعلاقات الزوجية متطفلون وتجتاحهم حالة من الإحساس بالغيرة أو الحسد والرغبة في الحصول على أشياء ليست لهم وامتلاكها فيعكسون حالة إسقاطية على الأشخاص المحيطين بهم.
زوج يحضر لزوجته هدية قد اعطاه الله رزق كبير ما الذى يتعب الاخرين فى انه يحضر لها هدية أو لا يحضر لها؟؟ هو حر يعطيها حتى امواله كلها هو حر ما شأنكم انتم؟
كان شيخى الجليل فضيلة الشيخ يحيى عبد الله زقزوق الحسينى نسبا احد كبار علماء الأزهر الشريف يقول لى تعليقا على تدخل الناس فى شئون الأخرين والتعدى على خصوصياتهم يا احمد يا ابنى ( الفاضى بيعمل نفسه قاضى)
وهذا ما حذر منه الإسلام ودعا نبيه صلى الله عليه وسلم إلى اجتنابه.
فـــ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
بعض العلماء يقولون عن هذا الحديث إنه يعدل ثلث الإسلام لأنه اجتمع فيه الورع كله لأنه أصل عظيم من أصول تهذيب النفس وتزكيتها.
الإسلام بالأساس جاء ليتمم مكارم الأخلاق كما أكد النبي الأكرم صلى الله عليه وسلمومن ثم فإن ترك ما لا يعنيك من الإسلام.
فيجب على كل مسلم أن يراعي حاله أولا ولا يهتم بأمور الناس لأن من تتبع عورات الناس تتبع الله عورته قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (المائدة : 105).